تشي الأجواء الدبلوماسية باستمرار جمود العملية السياسية في ليبيا، وهو ما ظهر مع الإحاطة الأولى لنائبة الموفد الأممي إلى ليبيا ستيفاني خوري، وسط دعوات دولية الى تعيين موفد جديد تواكبت مع تسريب أسماء مرشحين للمنصب ليس من بينهم اسم الدبلوماسية الأميركية، ما يحبط الآمال التي عُقدت عليها لحلحلة الانسداد السياسي الذي تعانيه البلاد.
وخلال جلسة لمجلس الأمن عُقدت الأربعاء، اتفق ممثلو الدول الخمس الدائمة العضوية على ضرورة تعيين موفد أممي جديد، لكن استمرار السجال بين موسكو وواشنطن بشأن التعاطي مع الملف الليبي، وتبادل الاتهامات في شأن تقويض أمن هذا البلد واستقراره، أظهرا أن اختيار خليفة لعبدالله باثيلي المستقيل سيمُر بمخاض عسير، قد يطول لشهور.
لا خطة واضحة
وبدا واضحاً أن خوري لا تملك مبادرة أو خطة للمسار السياسي، واكتفت خلال احاطتها بنقل ما طُرح عليها من أفكار خلال لقاءات عقدتها مع الأطراف والنخب الليبية، كما لم تحسم ما إن كانت ستعتمد على مجلسي النواب والأعلى للدولة حصراً، أو ستتجه نحو حوار بمشاركة أوسع. كما لم تُفصح عن انطباعها بشأن معضلة توحيد الحكومتين، بعدما أشارت إلى "أفكار طُرحت بشأن خريطة طريق تتناول الجوانب الجوهرية بما فيها إذا كان يتوجب التركيز على الإشكاليات المتعلقة بتشكيل حكومة موقتة والخطوات الكفيلة بالتوجه نحو إجراء الانتخابات". وقالت إن "العديد من الليبيين يواصلون الإعراب عن مخاوفهم العميقة إزاء واقع الانقسام على الأرض ووجود مؤسسات حكم موازية. وأنا أشاطرهم هذه المخاوف"، محذرة من أن هذه التطورات "كفيلة بزعزعة الاستقرار الاقتصادي والأمني ناهيك بتقويضها سيادة ليبيا ووحدة أراضيها وسلامتها وسط مخاوف بشأن تأثير التوترات الجيوسياسية على البلد".
وأوضحت خوري أنها ناقشت "ضرورة وجود عملية تتحرى الشمول يقودها الليبيون لتخطي الجمود السياسي ومساندة الشعب الليبي في تحقيق تطلعاته نحو السلام والاستقرار والازدهار والديموقراطية"، من دون أن تكشف عن تفاصيل.
وإذ أكدت أن مشاوراتها مستمرة، شددت على الحاجة إلى "عمل حازم وموحد من جانب الليبيين وبدعم دولي لإحراز تقدم في العملية السياسية".
توحيد المؤسسة الأمنية
وبدا أن ملفي الأمن والاقتصاد يمثلان أولوية، إذ سلطت خوري الضوء مجدداً على الحاجة لتوحيد المؤسسة الأمنية، خصوصاً في غرب ليبيا، في ظل الاشتباكات التي وقعت بين الميليشيات خلال الأسابيع الماضية، واستمرار حشد السلاح، ما "يُشكل تذكيراً صارخاً بهشاشة المشهد الأمني في ليبيا". وأكدت أن توحيد الموازنة الليبية "ضرورة قصوى"، بعدما بات "الوضع الاقتصادي أشد صعوبة". وحضت على "حل ما تبقى من خلافات لضمان إقرار الموازنة بشكل سريع والاتفاق على تنفيذها على نحو يتسم بالشفافية ويخضع للمساءلة".
وتطرقت إلى بدء إجراءات الانتخابات المحلية، وعدّتها "خطوة مهمة لضمان تحقيق المساءلة عن تقديم الخدمات وإعادة الشرعية الى قسمِ مهم من المؤسسات الليبية"، لكنها لفتت إلى أنه وحتى عشية عيد الأضحى، تم منع افتتاح 10 من أصل 12 مركزاً لتسجيل الناخبين في عدد من بلديات شرق ليبيا. وحثت السلطات على تمكين الليبيين من التسجيل وممارسة حقوقهم السياسية، كما أعربت عن "قلق عميق" إزاء التقارير التي تفيد بـ"وقوع انتهاكات حقوقية في كل أنحاء البلاد، ولا سيما النمط المتكرر من الاختطاف أو الاعتقال والاحتجاز التعسفي. كما لا يزال المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء يتعرضون أيضاً للاحتجاز التعسفي والتعذيب والابتزاز والعمل القسري والترحيل".
المحلل السياسي الليبي، الناطق السابق باسم المجلس الأعلى للدولة السنوسي اسماعيل رأى أن إحاطة خوري "لم تأت بجديد رغم ترقبها"، ولفت إلى "نقاط إيجابية محورها تأكيد أن الحل في ليبيا لا بد من أن يمر عبر عملية سياسية شاملة تفضي إلى الانتخابات وننتظر ترجمة ذلك على الأرض".
خلافة باثيلي
ورجح اسماعيل "استمرار المشهد الليبي على حاله الى حين اتفاق مجلس الأمن على شخصية جديدة لخلافة الموفد الأممي المستقيل، إذ إن استمرار المنصب شاغراً يُضعف تحركات البعثة الأممية في مقابل تمسك الأطراف المتصارعة بمواقفها، بل وتصعيدها الى حين وضوح الرؤية المستقبلية"، متوقعاً أن "تُركز خوري على جمع التشكيلات المسلحة في الغرب الليبي تحت قيادة موحدة، رغم أن الفوضى التي تعانيها العاصمة هي انعكاس للصراع السياسي".
ويتفق المحلل السياسي فرج فركاش مع السنوسي على كون خوري "لم تقدم جديداً واكتفت بعرض ما تلقته من اقتراحات للخروج من الأزمة خلال لقاءاتها من دون أن تفصح عن خطتها وآلية عملها، لكن اللافت أنها استخدمت تعبير ضرورة التوصل إلى حل شمولي، ما يعني عدم إقصاء أي طرف فاعل في ليبيا".
وأوضح فركاش لـ"النهار العربي" أن خوري "لا تزال تستكشف المشهد الليبي، وما يبدو من حركتها أنها ستتبع المسار الذي مضى فيه الموفد المستقيل باثيلي، كونها تفضل عدم الاعتماد فقط على مجلسي النواب والدولة، بل ستسعى إلى توافق الأطراف الرئيسية في الأزمة، كما أنها ستركز على ما يبدو على ملف هيكلة المؤسسات الأمنية وتوحيدها"، مشدداً على "ضرورة أن تعمل خوري على إبعاد انعكاسات الصراع الدولي، خصوصاً بين موسكو وواشنطن عن ليبيا وإيجاد أرضية مشتركة دولية وإقليمية للتعاطي مع الأزمة".