شاركت الجزائر يوم الأربعاء الماضي، 12 حزيران (يونيو)، بوفد رسمي في أشغال الدورة السادسة والخمسين التي عقدها مجلس حقوق الإنسان بعاصمة سويسرا جنيف. وفي هذه المناسبة، لم تذكر الوسائل الإعلامية الجزائرية والتابعة للقطاع الخاص أعضاء هذا الوفد الذي مثل الجزائر، ولم يعرف ما إذا كان تضمن ممثلين عن المجتمع المدني المستقل.
في هذا السياق، يرى مراقبون سياسيون جزائريون أن تصريحات الوفد الجزائري الرسمي الذي شارك في أشغال الدورة المذكورة آنفاً، والتي أكد فيها أن السلطات الجزائرية ملتزمة "تعزيز وحماية حقوق الإنسان، في إطار عالمية جميع هذه الحقوق وترابطها وعدم قابليتها للتجزئة"، تحتاج إلى مناقشة وإلى وجهات نظر المجتمع المدني، لأن قضية حقوق الإنسان تهم الجميع، ولا ينبغي أن تُختزل في أمور معينة لأنها تشمل جميع الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والجندرية، وهذا ما دعا إليه مراراً الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في لقاءاته مع ممثلي الصحافة الوطنية.
ولتحسين وتطوير هذه الحقوق، فإنه ينبغي إشراك المجتمع المدني بمختلف جمعياته وهيئاته وروابطه على مستوى الجزائر العميقة، والهيئات المنتخبة ومختلف الشرائح السياسية المتمثلة في أحزاب الموالاة والمعارضة.
في هذا الخصوص، يستحسن أن تتكاتف الجهود لترقية فضاءات الحريات أكثر، وذلك من طريق إشراك المواطنين في إعداد التصورات وصنع القرارات والقوانين ومراقبة تطبيقاتها في الميدان، بتشجيع عملية إنشاء مراصد شعبية تابعة لتنظيمات المجتمع المدني المستقل فعلياً.
في الحقيقة، هناك رغبة شعبية لافتة في نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع الجزائري، ابتداءً بمؤسسات الكشافة، والتكوين الإداري، والسياسي، والإعلامي، ومروراً بالمحيط الاجتماعي الذي يعتبر الفضاء الذي تتشكل فيه الأخلاقيات. وفي هذا الخصوص، يقترح المتخصصون في المنظومة التعليمية تكثيف بيداغوجيات مادة "حقوق الإنسان" وتاريخ ولادة هذه الحقوق عالمياً، مع التركيز على تعليم الأجيال الجديدة كيفيات وشروط ضمان تطبيقها في المجتمع، كونها ترتبط عضوياً بمستقبل بناء الشخصية القاعدية الديموقراطية للأفراد والجماعات.
ويجمع أهل التربية والتعليم على أن تلقيح ملايين الطلاب والطالبات بثقافة حقوق الإنسان، من خلال تدريسها في مؤسسات المنظومة التعليمية الجزائرية بكل أطوارها، سوف يحصِّن المجتمع الجزائري بالقيم التي تتضمنها المواد الثلاثون التي اعتمدتها الجمعية العامة للإعلان العالمي لحقوق الانسان بباريس في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948. وفي الحقيقة، إن عدم تدريس هذه المواد في أي مكان في العالم يعني أمرين اثنين، وهما تجاهل وإهمال أسس ثقافة حقوق الإنسان، أو إقصاؤها عمداً، لأن تدريس محتويات هذه المواد وبنودها يتعارض مع الظروف الصعبة التي يعاني منها المواطنون.
في هذا الخصوص، نضرب المثال التالي، وهو أن تدريس المادة رقم 7 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على نطاق واسع يعني نشر الوعي بين المواطنين والمواطنات وإجبار السلطات على تنفيذ نصِّها الذي يؤكد حرفياً أن "الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون".
أظهرت مرحلة ما بعد الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر، أن عدداً معتبراً من الأشخاص الذين لعبوا دوراً أساسياً في التعددية السياسية وإحلال الحكم الفردي والشللي محلها قد ندّد بهم المواطنون خلال التظاهرات العارمة، لكنهم لم يُحاسبوا في أثناء حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة أمام الشعب الجزائري، بل فُرضوا حينذاك بطرق ملتوية على المؤسسات الكبرى وتسللوا إلى المناصب العليا، علماً أن القوانين والأدبيات السياسية كانت ترفض مثل تلك الخروقات.
إذا كانت المادة 15 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص وجوباً على أن "لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز، تعسفاً، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته"، فإنه من المنتظر أن تعدل القوانين التي تمنع المغتربين الجزائريين المقيمين في الخارج، وتحديداً حملة الجنسية الجزائرية التي يسمح بها القانون الجزائري، من التمتع بحق الوصول إلى المناصب العليا في أجهزة دولة وطنهم.
في الواقع، إن الحق في السكن الفردي والعائلي المضمون، وفي الدخل الذي يحقق الحياة الكريمة بقوة القانون، يشهد بعض التحسن الآن، ويأمل المواطنون أن يتطور إيجابياً كي يصبح واقعاً ملموساً ومضموناً. في هذا السياق، ينبغي التنويه بقانون منحة البطالة التي تمنح في عهد الرئيس عبد المجيد تبون لكل عاطل عن العمل يتراوح سنه بين 19 و40 عاماً. غير أن هذه المنحة ينبغي أن تُرفع كي تتناسب مع ظروف غلاء المعيشة. وفي هذا السياق، ينبغي التوضيح أن الأمهات الماكثات في المنزل والحاصلات على الشهادة الجامعية هن فقط المستفيدات من المنحة، أما الأمهات غير الجامعيات الماكثات في المنازل فلا يشملهن هذا القانون، علماً أن هذا الصنف من النساء يشكل الأغلبية في المجتمع الجزائري.