كثيرة هي التحديات التي تواجه موريتانيا، تبدأ بالإقليم المحيط فيها وأوضاع القارة الأفريقية، ولا تنتهي بالهاجس الأمني المتمثل بالجماعات الجهادية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي باتت تتأثر بالتغييرات المناخية. وتأتي الانتخابات الرئاسية الثامنة بعد أيام قليلة وسط تنافس بين سبعة مرشحين من بينهم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
وستجرى الدورة الأولى من الانتخابات في 29 حزيران (يونيو) الجاري لاختيار رئيس جديد على أن تجرى جولة ثانية في 13 تموز (يوليو) في حال عدم فوز أي من المرشحين بالأغلبية المطلوبة من الجولة الأولى.
في المسرح الجيوسياسي القريب، شكلت الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وانفصالها عسكرياً وسياسياً عن فرنسا وإعلانها الانفتاح باتجاه روسيا، مسائل ضاغطة على موريتانيا، إذ إن ذلك ترافق مع انسحاب هذه الدول من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، معتبرة أنها أداة بيد باريس، وأنشأت تحالف دول الساحل.
وعلى رغم أن موريتانيا التي تقع عند مفترق بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، لم تشهد أيّ هجوم على أراضيها منذ عام 2011، لكنها كانت مستهدفة بانتظام في فترات سابقة، ولا تزال مناطقها الحدودية مع مالي الممتدة على طول ألفي كيلومتر متأثرة بتداعيات النزاع في هذا البلد، خصوصاً أن منطقة الساحل الأفريقي تشهد اضطرابات أمنية وسياسية وإنسانية منذ ظهور المتمردين الانفصاليين والجهاديين في شمال مالي في 2012، وأدت الهجمات المنسوبة إلى الجماعات المرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش" وغيرهما من الجماعات المسلحة إلى مقتل الآلاف من المدنيين والمقاتلين ونزوح مئات الآلاف من السكان.
وظهر القلق في نواكشوط، من خلال دعوة الرئيس الموريتاني دول غرب أفريقيا إلى التكاتف من جديد لمواجهة تمدد المجموعات الجهادية. وقال لوكالة "فرانس برس"، إنه يجب على المنطقة "أن تعبّر عن إرادة سياسية مشتركة لتتمكن من مكافحة انعدام الأمن"، مضيفاً أنه لا يمكن للدول مواجهة الإرهاب فردياً.
وبالنسبة إلى الغزواني، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، فإن المنطقة تحتاج إلى تشكيل تجمعات، لا سيما أن الأمور "أصبحت أسوأ" في السنوات الماضية، والعمل على إيجاد بديل محتمل من تحالف مجموعة الخمس في منطقة الساحل الذي أنشأته موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد في عام 2014 بدعم من شركاء غربيين لمحاربة الجهاديين والتخلف في المنطقة الفرعية، وتم تجهيزه بقوة مشتركة لكن نشاطها ظل محدوداً.
وفي هذا السياق، زار الرئيس الغزواني قبل أسبوعين تقريباً قاعدة عسكرية حيث اطلع على مجموعة من الأسلحة الحديثة التي تمّ شراؤها أخيراً في إطار تحديث هيكلة الجيوش البرية والجوية والبحرية. وتتكون الترسانة الجديدة من وحدات مدرعة ومدفعية ميدانية ووحدات مضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات وطائرات ومحطات رادار ومسيّرات، وفق ما نقلته الوكالة الموريتانية للأنباء. لكنّ بحسب ما قالت مواقع إخبارية أخرى متخصصة في علم الأسلحة، فإن هذه المعدات مصدرها الصين.
استقطاب عنصر الشباب
الدور الذي تقوم به موريتانيا في مكافحة الإرهاب ومواجهة الهجرة غير الشرعية، جعل من الانتخابات المقبلة محط اهتمام إقليمي ودولي، ويشارك فيها أكثر من 1.9 مليون ناخب من مجمل عدد السكان البالغ نحو 4.7 ملايين نسمة. وكان الاتحاد الأوروبي قد منح موريتانيا في نيسان (أبريل) الماضي 210 ملايين يورو، جرى تخصيص حوالي 60 مليوناً منها، لمساعدتها في مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
والتحديات الداخلية لا تقل شأناً عن تلك الإقليمية، وهي التي ستوجه أوراق الناخبين، أبرزها الانكماش الاقتصادي وهجرة الشباب الذين يشكلون الأكثرية في المجتمع الموريتاني. وهذه المسائل دخلت في صلب الحملات الانتخابية للمرشحين بمختلف الانتماءات السياسية، وكان لافتاً لجوء بعض المرشحين للرئاسة إلى نشطاء ومؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي لاستمالة صوت الفئة العمرية الشابة، مع الإشارة إلى أن دستور البلاد يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات كاملة في تحديد السياسات الخارجية والدفاعية والأمنية، إضافة إلى تعيين رئيس الوزراء (الوزير الأول) أو إقالته، كما يحق للرئيس الترشح لفترة رئاسية أخرى تبلغ مدتها 5 سنوات.
المحلل السياسي الموريتاني المتخصص بالشأن الأفريقي عبيد أميجن، توقع فوز الرئيس الحالي بولاية ثانية "نظراً إلى تعهده التمكين السياسي والاقتصادي لشريحة الشباب خلال مأموريته المقبلة، وبهذا يكون التنافس في هذه الانتخابات على كسب ثقة الشباب والفئات العمرية الدنيا، بخاصة أن إحساس هذه الشريحة العمرية بالاستبعاد والإقصاء بات واضحاً على الصعد كافة، وبالتالي فإن محاولات كسب تأييدها خلال عمليات الاقتراب تعدّ مؤشراً إلى الفوز".
مسألة أخرى تتعلق بعمل "اتحاد المغرب العربي" وهو من المواضيع التي كانت محط اهتمام نواكشوط، وفي هذا الإطار رأى أميجن في حديث لـ"النهار العربي" أن هذا الاتحاد بات بحكم "شبه محلول ومؤسساته غير فاعلة وهو في الوقت الحالي شبه متجاوَز عملياً".
التحديات الجيوسياسية
انطلاقاً من التحديّات الجيوسياسية التي تواجه دول الساحل الأفريقيّ وغرب أفريقيا، خصوصاً بعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض دوله، وعودة الدخول الروسي إلى القارة السمراء أمنياً وعسكرياً، وتزايد النفوذ الصيني الاقتصادي على حساب الدور الأميركي، برز اجتماع "القيادة العسكريّة الأميركية في أفريقيا" (أفريكوم) في بوتسوانا بحضور وزراء دفاع من ثلاثين دولة أفريقية علامة فارقة.
وبحسب "أفريكوم" فإن المؤتمر يهدف إلى "معالجة التحديات الأمنية الملحة في القارة الأفريقية وإيجاد طرق العمل المشتركة لتكون أفريقيا أكثر سلاماً وأماناً". وقال قائد القيادة الأميركية في أفريقيا الجنرال مايكل لانغلي للصحافيين، إنه إلى جانب الأمن والاستقرار في أفريقيا، فإن "الوجود الروسي في القارة" من المواضيع الرئيسية على جدول أعمال المؤتمر. واستطرد: "قبل عامين كانت شركة فاغنر، ولكن الآن وزارة الدفاع الروسية تتحرك من أقصى الشمال مثل ليبيا، وجنوباً مثل جمهورية أفريقيا الوسطى".
ومع عودة الاهتمام الأميركي بالشأن الأفريقي، فإن موريتانيا ليست بعيدة عنه، إذ إن الرئيس الأميركي جو بايدن التقى على هامش اجتماع مجموعة السبع في إيطاليا الرئيس الغزواني وكان تأكيد لعمق الشراكة الثنائية، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التبادل التجاري بين الدولتين شهد تطوراً كبيراً في الفترة الأخيرة.