دخل الراغبون في الترشح للرئاسيات الجزائرية، المقرّرة في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، في سباق مع الزمن لجمع التوقيعات الخاصة بملف الترشيحات، الأمر الذي يشكّل تحدّياً كبيراً، وقد يكون غير قابل للتحقّق بالنسبة إلى بعضهم، في ظلّ صعوبة تعبئة الناخبين وتسجيل نقص في الإمكانيات المادية والتقنية.
وأمام المرشحين مهلة حتى تموز (يوليو) لجمع التوقيعات المطلوبة بعد استدعاء الهيئة الناخبة، ويشترط تقديم قائمة تتضمن 600 توقيع فردي لمنتخبين في مجالس بلدية أو ولائية أو برلمانية، أو تقديم 30 ألف توقيع فردي على الأقل لناخبين مسجّلين في قائمة انتخابية تُجمع من 29 محافظة، على ألّا يقل عدد التوقيعات المطلوبة في كل محافظة عن 1200.
جرس إنذار
يواجه ممثلو الراغبين في الترشح للرئاسيات صعوبات كبيرة في إقناع الناخبين بمنحهم توقيعاتهم، ما يشكّل جرس إنذار للراغبين في خوض المنافسة. فقد يتطلّب الأمر عملية حشد كبيرة لتقليص رقعة العزوف الانتخابي، الذي يُعتبر أحد أهم معوقات العملية السياسية الديموقراطية.
ورفعت لويزة حنون، رئيسة حزب العمال والمرشحة للرئاسة، مساء الجمعة الماضي، شكوى إلى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، بشأن سيرورة عملية المصادقة على استمارات الترشح، لافتةً إلى أنه "بعكس التصريحات والإعلانات التي تؤكّد جاهزية البلديات لاستقبال المواطنين الموقّعين على استمارات الترشح، سجّلنا غياب الظروف المادية والتقنية منذ 9 حزيران (يونيو) الجاري، وكان من المفترض اتخاذ التدابير الضرورية لذلك".
لا جاذبية سياسية
ويجمع أساتذة في علم الاجتماع السياسي على أن مرحلة جمع التوقيعات هي "اختبار" فعلي لقياس شعبية المرشحين، في ظل النفور وأزمة الثقة بين الطبقة السياسية والمواطن. فبحسب فؤاد منصوري، الباحث وأستاذ العلوم السياسية في جامعة عنابة، جمع التوقيعات للترشح هو "أحد المقاييس لمعرفة تأثير المرشح في بيئته الاجتماعية، وهذا ليس عائقاً، إنما هو أدنى شروط الترشح".
يضيف منصوري لـ"النهار العربي" أن أسباب الامتناع ثلاثة: "انسحاب الناخب من الاهتمام بإدارة الشأن العام، واكتفاؤه بأداء دور المتفرّج، وبرامج انتخابية غير جذابة مرتبطة بنوعية مرشحين لا تُقنع الناخب ولا تحفّزه على المشاركة في اللعبة الديموقراطية، واختزال الحياة السياسية بالمناسبات الانتخابية بدلاً من أن يكون العمل السياسي دائماً ومستمراً".
ويحث السياسيين الجزائريين على البحث عن طرق تدفع الناخبين إلى الاهتمام أكثر بالسياسة: "هناك آليات عدة تحفز الناخب لأداء واجبه الانتخابي، كأن تقوم الأحزاب السياسية بنشاط سنوي لا مناسباتي، أي أن تؤدي دورها في التنشئة السياسية وإحلال الوعي السياسي بأهمية الانخراط في إدارة الشأن العام، محلياً أو وطنياً، مع أداء وسائل الإعلام الدور المنوط بها في حثّ الناخب على الاقتراع"، مؤكّداً أن تنشيط الحياة السياسية يعزز عامل الجاذبية السياسية، ويرفع منسوب المشاركة في العملية الانتخابية.
أثر المقاطعة
ويمكن أيضاً ربط صعوبة جمع التوقيعات اللازمة بأسلوب المقاطعة الذي كرّسته الأحزاب التقليدية المعروفة في أهم المحطات الانتخابية التي مرّت فيها الجزائر منذ أول انتخابات تعددية في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995. ويقول المحلل السياسي والباحث الاجتماعي أحسن خلاص لـ"النهار العربي": "اعتادت القوى السياسية مقاطعة الانتخابات، وهذا أثر سلباً عليها، وأظهر محدودية تأثيرها، حتى صارت النظرة تجاهها سلبية".
وإذ يتحدث خلاص عن العزوف واللامبالاة بالفعل الانتخابي، يضيف: "لا تملك الأحزاب السياسية مناضلين، وبالتالي لا تملك ما يكفي من أدوات الإقناع. فمن يجمع التوقيعات هم موظفون موسميون، كما هي الحال في قطاعات أخرى".
ويؤيّده في الرأي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد السلام فيلالي، فيقول لـ"النهار العربي": "يجب أن نعترف أن السياسة في الجزائر فقدت الاعتبار نتيجة النكوص الأمني في التسعينات، وتدهور الثقة في بداية الألفية".
يضيف: "كذلك يجب أن نقرّ أيضاً بأن الطبقة السياسية عاجزة عن إقناع المواطن بفاعلية دورها، والدليل على ذلك التأثير الضعيف لممثليها في الهيئات التشريعية، لذا يجب إعادة الاعتبار للسياسة، فهذه هي الوسيلة الوحيدة التي تعيد الثقة واللحمة بين الدولة والمجتمع".