مثّل تفشي حالات الغش في امتحانات الثانوية العامة التي انطلقت في ليبيا في 23 حزيران (الجاري) وتستمر لثلاثة أسابيع، انعكاساً لتردي مستوى التعليم وتلاحق أزماته في بلد منقسم سياسياً وجغرافياً. وعزز القلق على المستقبل العلمي والتربوي لشبابه.
ويخوض 115100 طالب وطالبة اختبارات الثانوية العامة في 7 آلاف و927 قاعة في المدن الليبية، تحت أعين ألفين و366 مراقباً، و815 رئيساً للجان، و815 متابعاً تربوياً، و19384 ملاحظاً، و815 مرشداً نفسياً، و815 مسعفاً صحياً، فيما يشارك في التأمين ثلاثة آلاف و260 فرد حراسة. وفق بيان لحكومة الوحدة الوطنية.
تسريب الإجابات خلال الامتحان!
ومنذ اليوم الأول، تم رصد تسريب إجابات أسئلة الامتحانات أثناء فترة أدائها، على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما أعلنت السلطات التعليمية المعنية إلغاء امتحانات عشرات الطلاب بسبب حالات الغش، والتحقيق مع مشرفين ورؤساء لجان متورطين في تسهيله.
ولفتت إلى انتشار حالات الغش في معظم المدن الليبية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب والجنوب، لكن مصادر محلية أكدت لـ"النهار العربي" تفشي الغش على نطاق واسع في معظم لجان الامتحانات، وأن الإجراءات التي اتخذتها الأجهزة التعليمية لم تفلح في لجم ظاهرة تشارك فيها منظومة متكاملة، باتفاق أولياء الأمور مع المشرفين على اللجان والمعلمين على تسهيل غش الطلاب.
وفي إشارة إلى اتساع نطاق الظاهرة وخطورتها، دخل النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور على الخط، مؤكداً دعمه الجهود المبذولة من أجل القضاء على ظاهرة الغش في امتحانات إتمام شهادة الثانوية العامة. كما شدد خلال لقائه الثلاثاء الماضي وكيل وزارة التعليم لشؤون المراقبات محسن الكبير، ومدير المركز الوطني للامتحانات أحمد مسعود، على ضرورة "عدم التهاون مع كل من يقوم، أو يساعد على الغش، بجميع أشكاله من الطلبة الممتحنين، أو من المكلفين بالإشراف على الامتحانات". وطالب الصور بالإبلاغ عن أي أعمال أو اعتداءات تعرقل سير الامتحانات، من داخل اللجان أو من خارجها، بحسب بيان.
"مكافحة الغش"... ولكن!
وكان وزير التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية موسى المقريف قد تعهد "مكافحة الغِش"، وقال إن اللجنة العليا للامتحانات لن تدّخر جُهداً في ضبطِ كل مساهم في الغش، طالباً كان أو معلماً.
ولم تكن تلك الأزمة الأولى التي تواجه الطلاب هذا العام الذي بدأ بتكرار تأخر توزيع الكتب الدراسية، بالإضافة إلى تكدس الفصول مع تأخر الانتهاء من إعادة تأهيل المدارس المتهالكة، فيما تعاني ليبيا أزمة انقطاع كهرباء تفاقمت مع دخول فصل الصيف حتى وصلت ساعات الانقطاع إلى 10 ساعات في بعض المناطق البعيدة من دوائر السلطة ومؤسساتها، ناهيك بضعف خدمات الإنترنت التي يعتمد عليها الطلاب في بعض المناهج.
لكن رئيس اللجنة العليا لامتحانات الثانوية العامة محمد فاضل أشاد بـ"مرور الأسبوع الأول من الامتحانات في المناطق الليبية كافة، الشرق والغرب والجنوب، من دون أزمات كبيرة، وهذا مؤشر إيجابي إلى قدرة ليبيا وشعبها على التوحد والابتعاد عن الفرقة والانقسام"، مشيراً إلى تنسيق بين أجهزة وزارة التربية والتعليم لتوفير بيئة مناسبة للطلاب، ودور أجهزة الشرطة في تأمين لجان الامتحانات.
إقبال على "العلمي"
ويقسم طلاب المرحلة الثانوية العامة في ليبيا إلى ما بين نحو 91 ألف طالب في النظام العلمي، و24 ألف طالب فضلوا القسم الأدبي، بالإضافة إلى نحو 400 طالب في المدارس الدينية. وعزا فاضل الارتفاع الكبير في إقبال الطلاب على النظام العلمي على عكس السنوات الماضية إلى "تغير في ثقافة المجتمع، إذ بات غالبية أولياء الأمور يفضلون دخول أبنائهم الكليات العلمية وعلى رأسها الطب والهندسة، بالإضافة إلى تشبع سوق العمل بمتخرّجي الكليات الأدبية، لكن ذلك سيمثل ضغطاً على الكليات العلمية الليبية خلال السنوات القليلة المقبلة، ما يحتاج إلى معالجة حكومية بالتوسع في عدد تلك الكليات حتى تستوعب الأعداد المتزايدة".
وسعى فاضل إلى التقليل من ظاهرة انتشار الغش في الامتحانات، مشيراً لـ"النهار العربي" إلى أنها "ظاهرة ليست جديدة هذا العام، خصوصاً مع انتشار أجهزة الهواتف النقالة ووسائل التواصل الاجتماعي، ووزارة التربية والتعليم وضعت آليات عدة لمكافحتها، من بينها توفير أجهزة الكشف الإشعاعي عن الهواتف على أبواب اللجان، بالإضافة إلى خطوات عقابية رادعة".
وأضاف: "كل من يُضبط بالغش يُحرم من الامتحانات، كما جرى إيقاف عدد من المشرفين يخضعون للتحقيق، وسيُحرمون من الإشراف على الامتحانات في المستقبل"، لافتاً إلى "مسؤولية أولياء الأمور الذين يشاركون في تسهيل غش أبنائهم بالاتفاق مع المشرفين على اللجان، رغم الحرص على إبعاد توزيع المعلمين ومشرفي اللجان عن مناطق سكنهم، وهذا أمر يحتاج إلى زيادة الوعي المجتمعي ودور للمؤسسات الثقافية والدينية، فماذا سيستفيد الطالب عندما يتمكن من تحصيل أعلى الدرجات بالغش في مراحل التعليم المختلفة، فيدخل كلية لا تواكب قدراته العلمية، وكذلك لا يستطيع المنافسة حين يبدأ رحلته مع سوق العمل؟".