تحدٍّ دبلوماسي جديد ينتظر العلاقات الجزائرية - الأوروبية عموماً، والجزائرية - الفرنسية خصوصاً، في الفترة المقبلة، على خلفية المكاسب المهمّة التي حقّقتها الأحزاب اليمينية القومية والمتطرّفة في الانتخابات الأوروبية. ومن أهم الأسئلة الشائعة اليوم: هل يؤثر الصعود المحتمل لليمين المتطرّف على مستقبل علاقات فرنسا بالجزائر؟
بين متسائل ومتوجّس، ومهوّن من وطأة هذا التحول، تباينت الآراء والتحليلات والتخمينات. فبعضهم حذّر من ارتدادات سلبية محتملة لهذا "الزلزال" السياسي على يوميات المهاجرين، ولا سيما الجزائريين الذين يمثلون وعاءً لا يُستهان به للجالية المغاربية والمسلمة في فرنسا، خصوصاً أن شخصيات يمينية بارزة طالبت بإلغاء اتفاقية عام 1968 بحجة أن "تجاوزها الزمن"... فيما هوّن بعض آخر من تأثر الجالية الجزائرية أو حتى حدوث أي تغيّرات كبيرة في العلاقات بين باريس والجزائر.
مخاوف مشروعة
بالنسبة إلى الجالية الجزائرية في فرنسا، والتي يتجاوز تعدادها 5 ملايين نسمة بحسب أرقام غير رسمية، فستكون معنية بهذه التغيّرات "الجذرية والتاريخية في المشهد السياسي الفرنسي"، بحسب توصيف الدكتور بريك حبيب الله، أستاذ التعليم العالي في المركز الجامعي في تندوف، مضيفاً لـ"النهار العربي": "يسعى اليمين الفرنسي المتطرّف إلى تقويض أمن المهاجرين واستقرارهم، وإلى الزجّ بهم وراء القضبان، وممارسة التطرّف والعنف ضدّهم".
المخاوف من التيار اليميني المتطرّف "مشروعة جداً"، وتشكّل تحدّياً آخر تواجهه الدبلوماسية الجزائرية، خصوصاً أن شخصيات نافذة في هذا التيار استطاعت تمرير بنود تضرّ بالمهاجرين في قانون الهجرة، ويستدل حبيب الله على ذلك بتوجّه هذا التيار نحو إلغاء قوانين لمّ الشمل العائلي ودراسة طلبات اللجوء خارج فرنسا حصراً، وإلغاء الحق في الإقامة لمن توقف عن العمل أكثر من عام، وتشديد شروط الحصول على الجنسية، خصوصاً بالنسبة إلى الذين ولدوا في فرنسا من أبوين مهاجرين.
ورقة مساومة
في هذا السياق، يثير المحلل السياسي والباحث الاجتماعي أحسن خلاص مسألة اتفاقية عام 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات ومكاسب عدة، "ومنها حصولهم على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد 3 سنوات فقط من الإقامة مقابل 5 سنوات للآخرين، وتمتع الجزائري المتزوج من فرنسية بالحق في الحصول على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد عام واحد من الزواج، ومنح الجزائري الحق في التمتع بتسهيلات للدخول إلى التراب الفرنسي، وحرية الاستقرار فيها لمزاولة التجارة والعمل أو الدراسة من دون صعوبات"، كما يقول لـ"النهار العربي".
يضيف: "تتمحور المخاوف حول طريقة التعاطي مع هذه الاتفاقية. فاليمين المتطرّف لم يثرها، لكنها مثار نقاش في كواليس السياسة الفرنسية"، لافتاً إلى أن اليمين المتطرّف لا يستهدف المهاجرين غير النظاميين وحدهم، "بل يتجاوز هؤلاء إلى المهاجرين القانونيين، ولا يريد إلغاء الامتيازات الممنوحة للجزائريين فحسب، بل يريد تقليص عددهم وحضورهم في المجتمع الفرنسي قدر الإمكان".
يتوقّع خلاص أن يكون النقاش حاداً، "لكن دون أن يؤدي إلى تمرير مقترحات اليمين بسهولة، فإلغاء هذه الاتفاقية يعني مساعدة هذا اليمين في تحقيق مكاسب سياسية جديدة".
قواعد سياسية
من ناحية أخرى، يتناول البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بسكرة، الأثر الذي سيتركه فوز اليمين المتطرّف بالسلطة في فرنسا على ملفات الذاكرة والعلاقات الاقتصادية الفرنسية – الجزائرية، فيقول لـ"النهار العربي": "لا يمكن اختزال الدبلوماسية في تيار بعينه، مهما كان متطرّفاً. فهناك قواعد تحترمها الأطياف السياسية المختلفة، مهما كانت أيديولوجيتها وعقيدتها"، متوقعاً أن يلتزم اليمين المتطرّف البراغماتية في رعاية مصالحه، وأن يدير علاقاته الخارجية وفق منهجية واقعية، بعيداً من الشعارات الشعبوية الاستهلاكية.
في المقابل، يجزم عكنوش أن الصعود المدهش والمثير لليمين المتطرّف في الاتحاد الأوروبي "يعكس ردة فعل آنية على أزمة داخل المجتمعات الغربية نفسها، من دون أي رؤية مستقبلية واضحة، فهو لا يقدّم حلولاً لمشكلات، إنما يطرح مشكلات جديدة"، مستبعداً بقاءه في الحكم وحده، وهيمنته على الفضاء العمومي الفرنسي، أو إنتاجه مشروعاً مجتمعياً جديداً، "فاليمين المتطرّف يحمل في داخله بذور فنائه، وهو لن يستمر طويلاً".
وينهي عكنوش مداخلته بالتأكيد أن صعود اليمين المتطرّف في فرنسا "لن يؤثر في علاقاتها الاقتصادية بالجزائر قيد أنملة، لمحددات طاقوية واستراتيجية"، مضيفاً: "لا ننسى أن اللغة الانتخابية تختلف عن السلوك السياسي، فالأولى متحولة، فيما الثانية ثابتة".