النهار

الموريتانيون اختاروا الاستمرارية وسط مؤشرات اقتصادية متفائلة
باسل العريضي
المصدر: النهار
أعيد انتخاب الرئيس الموريتاني محمد ولد شيخ الغزواني لولاية ثانية مع 56 في المئة من الأصوات، بحسب ما أعلنت اللجنة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات يوم الإثنين، وعلى الرغم من إعتراض المنافسين على النتيجة، إلّا أن الفارق بين الغزواني ومنافسه الذي حلّ ثانيا كان كبيراً، إذ نال خصمه بيرام الداه عبيدي 22 في المئة من أصوات المقترعين.
الموريتانيون اختاروا الاستمرارية وسط مؤشرات اقتصادية متفائلة
الغزواني يحيي مناصريه بعد إعلان فوزه. (أ ف ب)
A+   A-
أعيد انتخاب الرئيس الموريتاني محمد ولد شيخ الغزواني لولاية ثانية مع 56 في المئة من الأصوات. وعلى الرغم من اعتراض المنافسين على النتيجة، إلّا أن الفارق بين الغزواني وبيرام الداه عبيدي الذي حلّ ثانياً كان كبيراً، إذ نال 22 في المئة من أصوات المقترعين.
 
بالعودة إلى انتخابات عام 2019، كانت بمثابة أول انتقال سلمي للسلطة على الإطلاق في موريتانيا، بعد سلسلة من الانقلابات، تعاون الغزواني خلالها مع أحزاب المعارضة، وقام بتوسيع نطاق الضمان الاجتماعي. وقبلها عندما كان وزيراً للدفاع، لعب دوراً مؤثراً في الإطاحة بتنظيم "القاعدة" الذي شنّ سلسلة من الهجمات في موريتانيا بين الأعوام 2005 و2011، وعمل على تحديث الجيش ما أدى إلى جعل موريتانيا دولة آمنة منذ أكثر من 13 عاماً، في حين تواجه مالي المجاورة ومنطقة الساحل عموماً الكثير من الهجمات.
 
وبالتالي يقدم الغزواني نفسه على أنه الضامن للاستقرار. وبعد ولاية أولى طغت عليها جائحة كوفيد-19 وتداعيات الحرب في أوكرانيا، يأمل في إجراء مزيد من الإصلاحات خلال ولايته الثانية بفضل الآفاق الاقتصادية المواتية، ووضع مسألة مكافحة الفقر ودعم الشباب أولويّة له، لاسيما أن الذين تقلّ أعمارهم عن 35 عاماً يشكلون أكثر من 70 في المئة من السكان، وهذه الفئة العمرية تسعى لمغادرة البلاد بشكل متزايد باتجاه أوروبا أو الولايات المتحدة، بحثاً عن حياة أفضل.
لكنّ آمال الموريتانيين الذين أعادوا ثقتهم برئيسهم طلباً لاستمرار الأمن وتحسين الأوضاع الاجتماعية، تلقي بثقلها على مسار الولاية الثانية نظراً إلى التحديات التي تحيط بهذه الدولة الأفريقية، وتحديداً على المستوى الأمني، بعد الانقلابات التي شهدتها دول الساحل الأفريقية، وانسحاب المجالس العسكرية في كل من بوركينا فاسو والنيجر ومالي من "مجموعة الساحل الخمس" التي شكلت في الأساس لمكافحة الإرهاب.
 
وفي هذا السياق نقلت مجلة "الإكونوميست" عن مركز الأبحاث Armed Conflict Location and Event Data project أن عدد الوفيات الناجمة عن النزاع في منطقة الساحل الوسطى ارتفع بنسبة 38 في المئة العام الماضي.
 
ويقول دانييل إيزينغا من المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، للمجلة البريطانية، إن "الاشتباكات على الحدود المشتركة بين مالي وموريتانيا والتي يبلغ طولها 2236 كيلومتراً آخذة في الارتفاع".
 
أزمة اللجوء
التوتر الحدودي الذي بدأ في نيسان (أبريل) الماضي عندما طاردت القوات المالية والروسية الجهاديين إلى قرية موريتانية، لكنه لا يقتصر على ذلك فقط، فقد شكلت أعداد النازحين باتجاه الأراضي الموريتانية أزمة في اتجاهين، ضبط الأعداد الكبيرة من جهة، ومواجهة الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا من جهة ثانية.
ومع ازدياد الاضطرابات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقية، لاسيما مالي، ارتفعت أعداد النازحين باتجاه موريتانيا بشكل مضطرد مقارنة بالعام الماضي، حين بلغ عددهم قرابة 55 ألف شخص. حتى أن الأمم المتحدة أعلنت أن مخيمها الرئيسي للاجئين يعاني من نقص الأموال ومكتظ بنحو 30 ألف شخص أكثر مما يمكنه استيعابه. وقد حضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الناس على الاستقرار في أماكن أخرى من البلاد. وهذا من شأنه أن يزيد معاناة المناطق الريفية الموريتانية التي تعاني من الفقر أصلاً.
 
وفي حزيران (يونيو) الماضي، ذكر تقرير أصدرته منظمة "ووكينغ بوردرز" المعنية بقضية الهجرة، أن نحو 5000 مهاجر لقوا حتفهم في البحر خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2024  أثناء محاولتهم الوصول إلى جزر الكناري الإسبانية، بعد إبحارهم من المغرب وموريتانيا والسنغال وغامبيا، وهو عدد غير مسبوق، مما يجعله الطريق الأخطر بين أفريقيا وإسبانيا مع 95 في المئة من وفيات المهاجرين، بحسب المنظمة نفسها. كما أظهرت بيانات وزارة الداخلية الإسبانية أن عدد الوافدين إلى الأرخبيل في تلك الفترة زاد خمس مرات إلى أكثر من 16500 مقارنة بالعام الماضي.
 
وأمام هذا الواقع، عادت موريتانيا لتظهر كنقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين المتجهين إلى أوروبا، بزيادة قدرها 375% عن العام السابق، وفقًا لـ"فرونتكس"، قوة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.
 
هذه الأرقام جعلت الحكومات الأوروبية عرضة لاننتقادات أحزاب اليمين المتطرف، التي تمكنت من تحقيق فوز كبير في الانتخابات البرلمانية الأوروبية والفرنسية. وفي محاولة لتفادي تفاقم الأزمة بدأت دول الاتحاد منذ 2016 ابرام اتفاقيات مع موريتانيا وتونس وتركيا ومؤخراً مع مصر، في إطار سعيها للحد من الهجرة غير الشرعية، على الرغم من انتقاد جماعات حقوق الإنسان لهذه الاتفاقيات لتجاهلها القانون الدولي الإنساني.
إلى جانب العمل الجماعي ضمن الاتحاد الأوروبي، عمدت بعض الدول إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع موريتانيا للحد من هذا التدفق البشري إلى أراضيها. وكانت إسبانيا في الطليعة بحكم موقعها الجغرافي الذي يجعل من أراضيها محطة رئيسية للمهاجرين، سواء البر الإسباني نفسه أو أرخبيل جزر الكناري. وقدمت استثمارات تنموية إضافية في موريتانيا بقيمة 60 مليون يورو.
 
بوادر اقتصادية واعدة  
على عكس دول الساحل، فإن العلاقة بين موريتانيا وجارتيها السنغال والمغرب تتطور إيجابياً، لا سيما على الصعيدين التجاري والاقتصادي. وفي هذا الإطار تتقاطع مصالح هذه الدول مع نظيرتها الأوروبية وتحديداً في مجال أمن الطاقة، التي تفاقمت أوروبياً بعد حرب أوكرانيا.
 
فقد أُعلن عن ربط خط أنابيب الغاز الأفريقي بين نيجيريا والمغرب بموريتانيا، على أن يشكل هذا الخط الذي يربط منتجي الغاز في غرب أفريقيا، موريتانيا والسنغال بالمغرب، المرحلة الأولى من المشروع، الذي سيتيح تصديره باتجاه أوروبا.
 
هذه المشاريع من شأنها أن تساهم في زيادة الدخل ودعم التنمية الاقتصادية وتطوير البنى التحتية وتأمين فرص عمل للجيل الشاب. لكنها لا تأتي دون تحديات يمكن أن تصبح عقبات أمام تنفيذها، أبرزها أنه سيمرّ داخل 13 دولة، وتأمين التمويل الكافي لتنفيذه، كما أن الاضطرابات في دول الساحل التي وطدت علاقتها بموسكو على حساب الغرب سيكون لها تأثير على هذا المشروع العملاق.

اقرأ في النهار Premium