أسدل الستار أخيراً على أزمة معبر رأس أجدير الحدودي بين ليبيا وتونس، ليعاود نشاطه بعد توقف دام ثلاثة شهور على خلفية صدام بين السلطة المسيطرة على الغرب الليبي والأقلية الأمازيغية في مدينة زوارة.
وكان وزير الداخلية عماد الطرابلسي قد أعلن برفقة نظيره التونسي خالد النوري، وحضور معاون رئيس أركان قوات الغرب الليبي صلاح النمروش، إعادة افتتاح المعبر الاستراتيجي أمام حركة عبور المسافرين والبضائع، في خطوة تحمل مكاسب اقتصادية لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ورسائل سياسية.
وعززت زيارة الدبيبة، بعد ساعات قليلة من افتتاح المعبر مدينة زوارة التي تقطنها الغالبية الأمازيغية تلك الصورة، للمرة الأولى منذ توليه منصبه مطلع عام 2021، وكانت في استقباله قيادات المدينة وشيوخها.
فمن ناحية، باتت حكومة الوحدة الوطنية تسيطر على عوائد المرور عبر المعبر، ما يساهم في زيادة مداخيلها، كما أنها وضعت حداً لتفشي التهريب، خصوصاً الوقود الذي لطالما اشتكت من تداعياته على أزمة نقص المحروقات في السوق المحلية. ومن أمام المعبر، تعهد الطرابلسي "عدم السماح بتهريب أي سلع أو بضائع مدعومة من ليبيا إلى تونس، كما تمنع تونس تهريب أي بضائع مدعومة منها إلى ليبيا"، موضحاً: "الناس لم يتركوا شيئاً ولم يهرّبوه، حتى الأدوات الكهربائية يقومون بتهريبها، ثم يتحدثون عن ارتفاع سعر صرف الدولار. كيف ندير الوضع وأين فلوس النفط؟ وعندما تتحدث الحكومة عن إلغاء دعم الوقود يرفض الناس ذلك".
ومن ناحية أخرى، تُساهم الخطوة في استعادة الدبيبة زخم نفوذه، وقدرته على نسج تحالفات ومقايضات مع معارضيه أتاحت لقواته السيطرة على منطقة كانت خارج مناطق نفوذه، الأمر الذي قد يشجعه على تكرار الخطوة بغرض توسيع رقعة سيطرته في مواجهة التمدد المناطقي للمطالبين برحيله في الغرب الليبي. وهو ما لمّح إليه الطرابلسي حين قال: "سنعمل على تكرار تجربة منفذ رأس أجدير في كل المنافذ والمطارات غير الخاضعة لسلطة الدولة في بلدات: غدامس والزنتان ومصراتة ومعيتيقة (غرب ليبيا)"، بل إنه عرض التعاون مع "الجيش الوطني" الليبي الذي يسيطر على شرق ليبيا وجنوبها "لتأمين حدود ليبيا الجنوبية مع تشاد والنيجر".
وأضاف الطرابلسي: "أقول لكل مسؤولي البلديات الموجودة في المنطقة الغربية، لو كانوا يريدون استمرار الوضع الخاطئ، فهم يريدون الفوضى والقتل والتهجير والهجرة، بخاصة ملف الهجرة الأسود وسنبدأ معالجته"، محذراً من أنه " في حال استمرار هذا الوضع عاماً أو عامين آخرين، فلن نجد ليبيا بعد الآن، وسنجدها مقسمة".
وأكد أن "لا مبرر لأي من المدن الأخرى اليوم بعد تسلم منفذ رأس أجدير، وعلى الجميع احتذاء مدينة زوارة. لا نريد أن تتصدر المدن بكتائبها وألويتها". وأضاف: "بعد رأس أجدير سنذهب إلى منفذ الدبداب ومدينة غدامس، لتأمين هذه المدينة وفتح منفذ الدبداب مع الشقيقة الجزائر. وإيقاف تهريب المخدرات من ليبيا إلى الجزائر ومن الجزائر إلى ليبيا".
وكانت سلطات العاصمة طرابلس قد استبقت استئناف عمل معبر رأس أجدير، بإعلان المنطقة المحيطة به في أقصى شمال غرب ليبيا، عسكرية، وحظرت مرور أي آليات عسكرية غير مرخصة. وتوعد النمروش بـ"التعامل بحزم مع كل من يخالف تلك التعليمات، في ظل تمركز الكتائب المكلفة من رئاسة الأركان في مداخل المنطقة ومخارجها".
رئيس مجلس أعيان مدينة زوارة غالي الطويني أوضح لـ"النهار العربي" أن زيارة الدبيبة وعدد من وزرائه جاءت لمتابعة حل عدد من المشكلات المعيشية التي تعانيها، تنفيذاً للاجتماع الذي عُقد في العاصمة طرابلس قبل أسبوع، بالإضافة إلى متابعة افتتاح معبر رأس أجدير الذي "يمثل شريان حياة"، مشيراً إلى أن المشكلات التي تسببت في إغلاق المعبر الحدودي "في طريقها إلى الحل، ونُشيد بخطاب وزير الداخلية التصالحي". ولمّح إلى ترتيبات جديدة لإدارة المعبر وتشغيله، إذ قال: "نحن ضد تهريب الوقود والمخدرات، لكن هناك تجارة موازية بين ليبيا وتونس منذ عقود، نطالب بتقنينها حتى يستفيد البلدان منها، وحصلنا على وعود من الدبيبة بمعالجة ذلك".
إلى ذلك، أكد المحلل السياسي محمد الهنجاري أن "تسلم حكومة الوحدة المعبر جاء بتفاهمات مع بلدية زوارة بعدما كانت الأخيرة تسيطر عليه في السابق، حتى أن رئيس المنفذ كان يتبع الأمازيغ، وبالتالي فإن السلطة الآن هي المسؤولة عن عملية المرور ووقف عمليات التهريب". وأضاف: "مدينة زوارة تم تحميلها مسؤولية قضايا وأزمات عدة، على رأسها التهريب، والآن الكرة في ملعب السلطة".
ورأى أن الخطوة تمثل "استعادة لسلطة الدولة، فكيف يمكن السماح لقوة أياً كان انتماؤها أن تحل بديلاً من الدولة بل وترفع راياتها على أحد المنافذ الحدودية للدولة؟"، في مشهد وصفه بـ"المسيء"، محذراً من أنه إذا عاد الصراع بين الحكومة والأمازيغ "فقد يؤدي إلى إغلاق المعبر نهائياً لأن الحكومة لن تقدم تنازلات بعد نجاحها في الوصول إلى المنطقة".
وأثنى المحلل السياسي سامي العالم على عودة معبر رأس أجدير إلى العمل مجدداً بعد تعطل حركة التجارة لليبيا وتونس، بالإضافة إلى أن الخطوة تمثل قبلة حياة لعشرات المرضى الليبيين من الحالات الحرجة، الذين ينتقلون عبره إلى تونس لتلقي العلاج، المعبر حيوي للبلدين ولا تقتصر أهميته لتونس فقط كما تحاول السلطة توجيه رسائلها. كما اعتبر أن محاولة الطرابلسي تحميل المعبر مسؤولية تهريب الوقود "محاولة للضغط على تونس للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، إذ إن عمليات تهريب النفط في أغلبها تتم عبر البحر المتوسط وليس عبر منافذ برية تمر عبرها شاحنات حتى لو افترضنا تحميلها بالمحروقات ستكون كميات محدودة يُفترض ألا تؤثر في السوق المحلي". وأضاف لـ"النهار العربي": "حتى حديث الطرابلسي عن تهريب المخدرات عبر المعابر الحدودية غير واقعي لأن عصابات تجارة المخدرات تنشط عبر مسارات في الصحراء والدروب الجبلية وليس عبر المنافذ الرسمية".