لا تزال الضبابية تلف المشهد السياسي في الجزائر مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فخريطة الانتخابات لم تكتمل بعد، بسبب تأخر السلطة في إعلان مرشحها، رغم أنه إلى غاية اليوم تم تسجيل 26 راغباً في دخول سباق الانتخابات المتوقع تنظيمها في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، بعضهم أنهى عملية جمع لائحة التوقيعات المطلوبة بالاعتماد أساساً على لائحة المنتخبين.
لا وصف يمكنه رسم المشهد السياسي الحالي بدقة سوى الترقب (السوسبانس كما يقول الجزائريون). مراقبون، محللون، سياسيون وفاعلون اجتماعيون، وحتى مواطنون، كلهم يترقبون أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في انتظار ما ستحمله كلمة الرئيس عبد المجيد تبون لمناسبة الذكرى الـ62 لاستقلال الجزائر يوم 5 تموز (يوليو) الجاري.
مؤشرات
ولم يعلن الرئيس الجزائري بعد موقفه من الترشح فيما لم يتبق سوى 18 يوماً لانقضاء آجال التوقيعات للترشح التي تنتهي في 18 تموز، رغم النداءات التي وجهها له العديد من الأحزاب السياسية المحسوبة على السلطة وفعاليات المجتمع المدني، لإعلان ترشحه لولاية رئاسية ثانية وتأكيدها مساندته في الاستحقاق القادم، وحتى هناك من منعت منتخبيها من تقديم التوقيعات إلى مرشح آخر في انتظار إعلان الرئيس ترشحه من عدمه.
غير أن كل المؤشرات الحالية تعتبر بمثابة إعلان "ترشح ضمني"، وأهمها الوعود والمشاريع التي أطلقها الرئيس في الفترة الأخيرة والتي تتجاوز آجال تنفيذها فترة الولاية الرئاسية الأولى التي لم يتبق من عمرها الكثير. فهو وعد برفع أجور العمال بنسبة 100 في المئة بحلول 2027، وأعلن خطة لتوسيع زراعة الحبوب، لا سيما في جنوب البلاد، وأشرف شخصياً على متابعة مشاريع استثمارية مهمة مثل مشروع إنجاز مزرعة أبقار ومصنع لإنتاج الحليب على مساحة تفوق 100 ألف هكتار وباستثمار قيمته 3,5 مليارات دولار بشراكة جزائرية – قطرية، إضافة إلى الاتفاق الاستراتيجي الضخم الذي وقع بين الجزائر وإيطاليا لإنجاز مشروع ضخم في محافظة تيميمون لإنتاج الحبوب والبقوليات والصناعات الغذائية.
ومن المؤشرات الأخرى التي تؤكد رغبته في الاستمرار، رده على دعوات نواب إلى الترشح لعهدة رئاسية جديدة بالقول "إن شاء الله يعطيني الصحة الكافية"، وإلقاؤه خطاباً مطولاً أمام البرلمان وفي حضور القادة العسكريين وشخصيات سياسية قرأه سياسيون ومحللون على أنه "حملة انتخابية" لأنه استحضر الإنجازات التي شهدتها البلاد خلال فترة حكمه الأولى ومستقبلها، في إشارة توحي برغبته في الاستمرار من خلال الترشح لولاية رئاسية ثانية من دون أن يعلن عن ذلك صراحة.
مؤشر ثالث يمكن استحضاره هو إعلان القصر الرئاسي الفرنسي في آذار (مارس) الماضي أن الرئيس الجزائري سيقوم بزيارة دولة لفرنسا بين نهاية أيلول وبداية تشرين الأول (أكتوبر)، وقالت الرئاسة الجزائرية في وقت سابق إن الرئيس تبون تلقى اتصالاً هاتفياً من نظيره الفرنسي تناولا فيه مختلف الملفات المشتركة والقضايا الإقليمية، وقد تمت برمجة زيارة الرئيس الجزائري فرنسا نهاية الخريف القادم.
ويحظى الرئيس تبون بدعم أحزاب وطنية وإسلامية دعته إلى الترشح لولاية رئاسية ثانية، وهو الأمر المتاح وفقاً لما ينص عليه الدستور الجزائري.
قراءات وتحليلات
ويرجع المحلل السياسي والباحث الاجتماعي أحسن خلاص التأخر إلى "رغبة الرئيس تبون في إرسال رسالة سياسية إلى الرأي العام مفادها رغبته في استكمال برنامجه إلى غاية اللحظة الأخيرة، وهو الأهم بالنسبة إليه أكثر من الدخول في معترك سياسي انتخابي، فالوقت بالنسبة إليه ليس للتنافس السياسي بقدر ما هو لتقديم حصيلة عهدته".
وإلى غاية اللحظة استكمل مرشحان عملية جمع التوقيعات المطلوبة لخوض الانتخابات الرئاسية الجزائرية بالاعتماد أساساً على لائحة المنتخبين، بينما يواجه آخرون صعوبات عديدة تحول دون التصديق على التوقيعات لدى المصالح المدنية في البلديات حسبما ورد في الشكاوى.
ويقول الباحث في الشؤون السياسية والأمينة والاستراتيجية عمار سيغة لـ"النهار العربي" إن "من الواضح جداً أن الرئيس تبون يفضل استكمال مهماته الرئاسية وبصفته وزيراً للدفاع أشرف على الحفل السنوي التقليدي لتخريج ضباط وضباط صف عاملين من الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة في شرشال باعتباره حدثاً مهماً يميز التكوين العسكري في الجزائر، ناهيك بالاحتفالات السنوية لذكرى عيدي الاستقلال والشباب في 5 تموز الجاري وكذا عديد البرامج المنتظر استكمالها، منها السكنية والتنموية، وكذا رغبته في زيارة العديد من ولايات المحافظات على غرار محافظة تيزي وزو".
ووفق المحلل السياسي فإن "الرئيس في أريحية تامة في ظل الدعم الحزبي الكبير من أحزاب السلطة على غرار جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي وحزبي البناء والمستقبل وحزب صوت الشعب، وهو ما سيخدمه كثيراً في عملية جمع التوقيعات التي تقارب المدة الزمنية لنهايتها، وقد نتجه نحو تمديد الفترة بناءً على طلب أحزاب سياسية عدة، وتمديد فترة جمع الاستمارات بالنظر إلى تزامنها مع فترة العطل السنوية في الجزائر".