النهار

قضية الطفلة أسيل طارق تُغضب المجتمع الليبي
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار العربي
آثارت الجريمة الوحشية ردود فعل واسعة في وسائل التواصل الإجتماعي، لاسيما أنها تواكبت مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، وبات وسم "مقتل اسيل طارق" الأكثر تداولاً على مواقع التواصل، وطالب ناشطون بمعاقبة مرتكبة الجريمة بالإعدام.
قضية الطفلة أسيل طارق تُغضب المجتمع الليبي
تعبيرية.
A+   A-
فتح مقتل طفلة تحت التعذيب على يد زوجة أبيها الباب على مصراعيه للحديث عن ضرورة معالجة انتشار جرائم العنف الأسري وتعذيب الأطفال، ضمن أمراض مجتمعية تتسرب إلى الأسر الليبية في مجتمع محافظ يغلب عليه الطابع القبلي والعشائري.
 
تعذيب وحشي
وكان المركز الطبي في مدينة طبرق (ِشرق ليبيا)، قد استقبل أواخر الأسبوع الماضي جثمان الطفلة أسيل طارق المبروك ذات الستة أعوام، والتي فارقت الحياة بسبب تعذيب وحشي تعرضت له وأدى إلى كسور وكدمات وآثار كي في أنحاء الجسم، كما إلى الاختناق ونقص الأوكسجين في جسدها وإصابتها بصدمة عصبية، كما أفاد تقرير الطبيب الشرعي.
 
وبعدما استدعت الجهات الأمنية والد الطفلة الضحية وزوجته وأشقاءها للاستماع إلى أقوالهم من دون التحفظ على أي منهم، دخل النائب العام الصديق الصور على خط القضية وأمر السبت الماضي، بسجن زوجة والد أسيل، على ذمة التحقيقات في القضية تمهيداً لرفع الدعوى الجنائية ضدها.
 
وقال مكتب النائب العام في بيان إن التحقيقات أثبتت تعرض الطفلة إلى اعتداء لا يتناسب مع عمرها، تمثل في ضربها بأداة صلبة على مواضع من جسمها حتى الموت.
 
واستندت النيابة في تحقيقها إلى أقوال شقيقات المجني عليها، وعزز الرواية تصور الطبيب الشرعي الذي أرجع حدوث الوفاة إلى تعرض الطفلة لإصابات عنيفة، موضحاً أن "منطقة الصدر والفخذين تضمنت آثار كدمات وضرب بأداة صلبة، ومنطقة الظهر آثار ضرب بأداة معدنية ساخنة، إضافة إلى كسر قطعي كلي في الساعد الأيمن".
 
وأشار تقرير الطب الشرعي إلى "وجود آثار اختناق ونقص للأوكسجين في الجسم، وإصابتها بصدمة عصبية أودت بحياتها".
 
وكشف شهود عيان عن تفاصيل المأساة، مؤكدين أن التعذيب الذي تعرضت له أسيل كان جزءاً من نمط ممنهج من العنف مارسته زوجة الأب على أطفال زوجها، فقد تعرض أشقاء الضحية لإيذاء بدني مماثل لكن بجرعات لم تؤد إلى الوفاة. وأوضح هؤلاء أن الزوجة هي الثالثة للأب، وكانت تستغل ضعف هؤلاء الأطفال، مستخدمة التهديد والعنف لإسكاتهم وترهيبهم، ما جعل حياتهم جحيماً مستمراً.
 
"أشد العقوبات"
وطالب المجلس القومي للمرأة في ليبيا بـ"إنزال أشد العقوبات بمرتكب الجريمة البشعة"، داعياً كل "المنظمات الحقوقية والإنسانية والجهات ذات الاختصاص إلى التضامن والوقوف صفاً واحداً ضد هذه الظاهرة الشنيعة". وأكد المجلس في بيان أن "القضية أصبحت قضية رأي عام"، وأن مكتبه في مدينة طبرق "يتابعها باهتمام مع الجهات الأمنية، وسوف يكون طرفاً في توجيه الدعوى القضائية".
 
ودخل مجلس النواب طرفاً، مطالباً الجهات القضائية بـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الواقعة، وإيقاع أقصى عقوبة على مرتكب الجريمة الشنيعة في حق الطفولة". 
 
وأثارت الجريمة الوحشية ردود فعل واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما أنها تواكبت مع اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، وبات وسم "مقتل أسيل طارق" الأكثر تداولاً على مواقع التواصل، وطالب ناشطون بمعاقبة مرتكبة الجريمة بالإعدام.
 
وفي منشور على صفحتها في "فايسبوك" قالت الباحثة في شؤون الأمن والهجرة الدكتورة ريم البركي: "أتمنى أن تصبح قضية الطفلة أسيل قضية رأي عام، وألا يتدخل فيها العُرف أبداً". وأضافت: "ليس من أجل أسيل فقط، فقد رحلت ولا تهتم بأمرنا الآن، ولكن من أجلنا نحن، من أجل أطفالنا. إذا تدخل العُرف في هذه الجريمة، فإننا بذلك نُشرع قتل أطفالنا واغتصابهم واستغلالهم نفسياً وجنسياً". كما طالبت المجتمع "الذي يبدو مسلوب الإرادة"، بأن "يقف مرة واحدة فقط لنفسه، لأطفاله، لمستقبله. لا يمكن أن نستمر في السماح لهؤلاء الجناة بالاختباء خلف العُرف الاجتماعي".
 
ارتفاع معدلات العنف
رئيسة قسم حماية الطفل والأسرة في مدينة بنغازي (شرق ليبيا) مرعية الفرجاني أكدت "ارتفاع معدلات العنف ضد الأطفال في ليبيا". وعزت ذلك إلى "اضطراب العلاقات الأسرية التي يكون ضحيتها الأطفال دائماً". وأوضحت لـ"النهار العربي" أنه "رغم أن القانون الليبي يؤكد حضانة الأم للأطفال في حالة الطلاق، لكن في حالات كثيرة ينتزع الأب الحضانة بالمخالفة للقانون وفي أغلب جرائم العنف ترتكبها زوجة الأب، أو بالعكس يرتكب الزوج العنف ضد أطفال زوجته". 
 
ولفتت الفرجاني إلى أن النزاع على الحضانة "بات ظاهرة منتشرة في ليبيا وتجب معالجتها، فهناك شكاوى عدة لأمهات لا يستطعن رؤية أبنائهن لسنوات، بسبب منع الأب أو مغادرته المدينة بالأبناء".
 
كما شددت على ضرورة "المصارحة المجتمعية في ظل غياب الوعي والتمسك بالموروثات الثقافية والعادات الخاطئة. فالآباء يتمسكون بالممارسات القاسية تجاه أبنائهم مثلما تربوا على ذلك، فيما هذه الممارسات باتت تمثل جريمة في العصر الحديث، ناهيك بالعنف الأسري الذي يُمارسه الزوج ضد زوجته". ورأت أن الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تعانيها البلاد "تمثل عامل ضغط على الأسر الليبية، خصوصاً الطبقات الفقيرة، ما يساهم في زيادة حدة معدلات العنف الأسري وانتشاره".  
 
أما أستاذ القانون مجدي العرافي فشدد على ضرورة معالجة جرائم تعذيب الأطفال بعدما باتت "ظاهرة تنتشر في ليبيا خلال الفترة الأخيرة، ليبيا وقغت على المعاهدة الدولية لحقوق الطفل، وبالتالي فهي مُلتزمة بها، وقد تم إجراء تعديلات تشريعية خلال تسعينات القرن الماضي حتى تتوافق القوانين المحلية معها، وإن كنا نحتاج إلى تعديل في المادة المتعلقة بإساءة الأسرة معاملة الأطفال، حتى تكون أكثر تفصيلاً".
 
وأشار العرافي لـ"النهار العربي" إلى أن القانون الليبي "أعطى للعوام حق تحريك الدعاوى القضائية في حالة الإساءة للطفل وهو لا يتوقف عند حد الطرف المتضرر"، لافتاً إلى أن "جيران الطفلة الضحية أسيل كان عليهم الإبلاغ عما تتعرض له من وقائع تعذيب"، كما رأى أن الأب قد يتعرض لعقوبة باعتباره شريكاً في الجريمة، فالقانون الليبي يجرم من يمتنع عن نجدة طفل قاصر، كما أنه لا يفرق بين الفاعل الأصلي والشريك. 
 

اقرأ في النهار Premium