النهار

هل صارت الجزائر فقيرة مائياً؟
الجزائر-نهال دويب
المصدر: النهار العربي
وضعت الحكومة الجزائرية استراتيجية لمواجهة العجز المائي، ترتكز على إنشاء محطات كبرى بطاقة إنتاجية تفوق 300.000 متر مكعب في اليوم، تلبّي احتياجات سكان المدن الساحلية بمياه الشرب
هل صارت الجزائر فقيرة مائياً؟
جزائريون ينتظرون للحصول على ماء للشرب في باب الواد بالجزائر العاصمة. (أ ف ب)
A+   A-
نجحت الحكومة الجزائرية في احتواء احتجاجات سكان مدينة تيارت في الغرب الجزائري، بإطلاق مخطط عاجل لتوفير مياه الشرب للمواطنين، من خلال تعبئة الإمكانيات المادية واللوجستية للمؤسسات الحكومية والمدن المجاورة. إلّا أن هذا العلاج موضعي، وأسئلة كثيرة تطرح نفسها في ظل التغيّر المناخي الذي يتميز في الفترة الأخيرة بارتفاع شدّة الظواهر القصوى، وبالتغيّر في نظام المغياثية وتأخّر الفصول الأربعة، مع تزايد "نوبات الجفاف" في مختلف أصقاع البلاد. 
 
لعلّ أبرز هذه الأسئلة: هل صارت الجزائر فقيرة مائياً؟
 
أزمة في 10 محافظات
وضعت الحكومة الجزائرية استراتيجية لمواجهة العجز المائي، ترتكز على إنشاء محطات كبرى بطاقة إنتاجية تفوق 300.000 متر مكعب في اليوم، تلبّي احتياجات سكان المدن الساحلية بمياه الشرب. وفي برنامج خاص بمدينة الجزائر العاصمة، تمّ إنجاز ثلاث محطات تحلية في ثلاث مناطق بقدرة إنتاجية تصل إلى 150.000 متر مكعب في اليوم. تُضاف هذه المحطات إلى 11 محطة موجودة تنتج 750 مليون متر مكعب من المياه تقريباً.
 
في السياق نفسه، في البلاد نحو 281 ألف بئر، تقدّم 6.6 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً، وتُقدّر الموارد المائية غير المتجددة بنحو 5 مليارات متر مكعب تقع كلها في جنوب البلاد، فيما تُقدّر الموارد المتجددة بنحو 11.4 مليار متر مكعب من المياه، و3 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية. 
 
لكن تعاقب سنوات الجفاف في العقد الأخير يصيب الجزائر بنقص ملحوظ في المياه. ويكشف وزير الري الجزائري طه دربال أن الأزمة المائية شملت 19 محافظة، "منها 10 محافظات شديدة التأثر، بينما تحتاج البلاد إلى 11.3 مليار متر مكعب من المياه لسدّ كل احتياجاتها". 
 
 
الوضع مقلق
يقول نائب رئيس الاتحاد الجزائري للمهندسين الزراعيين كمال بوالشرش لـ"النهار العربي" إن المدن الجزائرية تشهد تفاوتاً كبيراً في كميات تساقط الأمطار، "فالمدن الواقعة شرق البلاد تشهد تساقطاً غزيراً مقارنة بمناطق غرب الجزائر التي تعاني نقصاً في التساقط". 
 
لم يخف بوالشرش أن "بإمكان الحكومة اتخاذ بعض القرارات المحكمة لتأمين المياه، كحفر الآبار الارتوازية ذات التدفق العالي، وبناء السدود الكبرى في المدن التي تتساقط فيها كميات معتبرة من الأمطار، إضافة إلى تجسيد مشاريع التحويلات نحو المدن التي تعاني قلة المتساقطات". 
 
ولفت إلى أن لا مناص من بناء السدود، "فالإحصائيات الحالية تشير إلى تساقط نحو 212 مليار متر مكعب من الأمطار سنوياً على الجزائر، أي نحو 10 إلى 12 مليار متر مكعب تختزنها السدود، بينما تضيع الكمية المتبقية في البحر، أو تتبخر". 
 
ويصف الدكتور والباحث في السياسات الاقتصادية عبد المجيد سجال لـ"النهار العربي" الوضع بـ"المقلق، لا بل المخيف"، ويقول: "الإحصائيات الحالية تشير إلى أن معدل التساقط لا يصل حالياً إلى معدل 100 يوم في السنة، وهو في تناقص شديد ومخيف، فأغلب أيام الشتاء باردة وجافة".
 
استغلال عشوائي
تشدّد الحكومة الجزائرية على ضرورة المحافظة على المياه الجوفية، والعمل على حمايتها من الاستنزاف، في ظل الاستغلال العشوائي والفوضوي. وقد تقرّر لهذا الغرض رسم مخطط وطني يهدف إلى إنشاء "بنك معلومات" يتعلق بالمياه الجوفية، وإعادة النظر في تراخيص استغلالها سقي الأراضي الفلاحية. 
 
يقول المهندس الزراعي نبيل زغبة، المسؤول في غرفة الفلاحة في محافظة جيجل لـ"النهار العربي": "بعد ما عشناه في السنوات الماضية، علينا الاهتمام بنقاط عدة، أهمها التسريع في مشاريع تحلية مياه البحر، وإنجاز السدود والحواجز المائية، لبلوغ مرحلة الأمن المائي". 
 
ولفت زغبة إلى أن 90 في المئة من مياه الأمطار تعود أدراجها إلى البحر "مهما كانت نسبة التساقط كبيرة، والحل هو استرجاع النسبة الضائعة من المياه بسبب التسّرب في الشبكات". 
 
والأسوأ في ذلك، وفقاً لسجال، أن 12 مليار متر مكعب هي الحصيلة السنوية للمياه السطحية سنوياً، "يتبخّر معظمها في الأيام الحارة المشمسة، و5 مليارات متر مكعب هي نصيب الصحراء من المياه، أما المياه الجوفية فهي غير قابلة للتجديد، ناهيك عن نسبة الملوحة وتكلفة حفر الآبار وشبكة نقل المياه، نظراً إلى اتساع المساحة وتباعد التجمعات السكانية. ففي الشمال، تنحصر المجاري المائية في 30 مجرى غير منتظم الجريان، يصبّ أغلبها في البحر". 
 
المطلوب استراتيجية دقيقة
يعتقد بوالشرش أن الوضع الحالي يتطلّب إنشاء المجلس الوطني للأمن الغذائي والمجلس الوطني للأمن المائي، اللذين يؤديان دوراً كبيراً في تحقيق التنمية الاقتصادية.
 
ويؤكّد سجال ضرورة اتباع استراتيجية دقيقة للحفاظ على المياه، "من خلال فصل شبكة مياه الشرب عن شبكة مياه الاستعمال المنزلي، وفصل شبكة مياه الأمطار عن شبكة المياه القذرة، مع حفر أنفاق ضخمة في المدن الكبرى لتجميع مياه الصرف الصحي ثم معالجتها وإعادة تدويرها في السقي أو الاستعمال المنزلي". 
 
إلى ذلك، الأولوية اليوم للتخلّص من ظاهرة التوحّل التي تهدّد السدود بالانهيار وتقلّص قدرتها على تخزين المياه. فبحسب آخر إحصائيات صادرة عن "دربال"، أسفرت الحملة التي أطلقتها الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات الكبرى في الجزائر بين عامي 2012 و2018 عن نزع الأوحال بما يفوق 16 مليون متر مكعب من سدود مدن معسكر وبسكرة والمسيلة، وقد أطلقت حملة جديدة بين عامي 2020 و2023 تمّ خلالها نزع 30 مليون متر مكعب من الأوحال من سدود محافظة خنشلة ومعسكر والمسيلة وسكيكدة وبشار وغليزان وعين الدفلى. 
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium