تقدمت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري التونسية بطلب إلى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" من أجل الحصول على المساعدة التقنية لمكافحة الحشرة القرمزية. واستجابت المنظمة من خلال تسليم تونس أخيراً كمية من حشرات الدعسوقة ذات اللون الأحمر المرقط بدوائر سوداء والقادرة على القضاء على الحشرة القرمزية التي أتلفت التين الشوكي (الصبار) الذي يعرف في تونس بـ"الهندي".
ومنذ انتشار الخبر تكثفت التعليقات الساخرة والجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر بعضهم أنه كان من الأفضل استيراد مواد غذائية فيها نقص في السوق عوض استيراد الحشرات. ولعل اسم الحشرة الغريب قليلاً "الدعسوقة" هو الذي زاد من السخرية وأصبح البعض يتساءل على سبيل الهزل كم يلزم من الدعاسيق لفض الإشكال.
اشجار تين شوكي أتلفتها الحشرة القرمزية
بيروقراطية مقيتة
ويرى مهتمون أنه كان على تونس، عوض استيراد هذه الحشرة، أن تقوم بتربيتها لتتكاثر تحت إشراف مختصين في مجال البحث العلمي الفلاحي في بلد زراعي بامتياز أنجب مؤسس علم الزراعة والجينات ماجون القرطاجي صاحب المدونة الشهيرة التي اقتبسها عنه الرومان والإغريق. كما أن البلد في الزمن الحاضر يملك مختبرات للبحوث الفلاحية ومهندسين وكفاءات في شتى المجالات قادرة على تطوير كل شيء من دون الحاجة إلى استيراد هذه الدعسوقة تجنباً لعبارات السخرية والاستهزاء الصادرة من هنا وهناك.
ويعتقد بعضهم الآخر أن الوقت تأخر كثيراً وكان من المفروض على الدولة التونسية أن تعالج هذه المشكلة منذ فترة طويلة، فقد خسرت البلاد محاصيل مهمة نتيجة التراخي من قبل بعض المسؤولين الذين قد تكون أعاقتهم البيروقراطية الإدارية والإجراءات المعقدة. فالتين الشوكي مصدر دخل مهم لكثير من العائلات التونسية.
ثاني منتج
ترى الإعلامية التونسية ليندا مقديش المختصة في المجال البيئي في حديث إلى "النهار العربي" أن تونس هي ثاني منتج في العالم للتين الشوكي وذلك بعد المكسيك، إذ تنتج قرابة 550 ألف طن، وتتراجع إلى المركز الرابع عالمياً على مستوى حجم الصادرات لهذه الثمرة اللذيذة المتعددة الاستعمالات في أكثر من مجال. وبالتالي فإن إنقاذ هذا المنتوج الفلاحي ضروري، بحسب الإعلامية التونسية، بالنسبة إلى تونس وإلى المنظمة الدولية التي يندرج ضمن مهماتها تحقيق الأمن الغذائي للجميع والتأكد من أن البشر يحصلون بانتظام على ما يكفي من الغذاء العالي الجودة لقيادة حياة نشطة وصحية. ولذلك رصت المنظمة، بحسب مقديش، موازنة عاجلة بقيمة 500 ألف دولار بهدف الحد من انتشار الحشرة القرمزية في المناطق الموبوءة.
وتضيف مقديش: "ستقوم تونس بعد جلب هذه الدعسوقة التي تتغذى على الحشرة القرمزية بالتكفل بزيادة عددها في مختبرات مختصة للحصول على العدد اللازم للمكافحة البيولوجية بعيداً عن استعمال المواد الكيماوية المضرة بالطبيعة. كما سيتم في وقت لاحق تشكيل شركات ناشئة ستوزّع هذه الحشرة، الآتية من بلدان أميركا اللاتينية وخصوصاً المكسيك، على بعض الفلاحين وبيعها لبعضهم الآخر".
المنافسة والجودة
ويؤكد الناشط في المجتمع المدني في المجال البيئي وليد الزيناوي لـ"النهار العربي" أن المعالجة البيولوجية للمزروعات أفضل بكثير من الناحية الصحية من المعالجة الكيماوية، ولذلك لم تلجأ تونس إلى استعمال المبيدات للقضاء على الحشرة القرمزية، وهي ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها تونس إلى المعالجة البيولوجية واستعمال الحشرات النافعة لحماية منتجاتها الفلاحية، فقد سبق لها استعمال طفيليات لمكافحة مرض "البيرال" الذي يصيب أشجار الرمان.
ويشير الزيناوي إلى أن "الدعسوقة ليست الحشرة النافعة الوحيدة التي استعملت في تونس ولن تكون الأخيرة، فمن المهم تجنب المواد الكيماوية واستعمال الحشرات أو الطفيليات النافعة لمكافحة عدد من الأمراض للحفاظ على الصبغة البيولوجية للثمار. وبالتالي يمكن تصدير المنتجات الفلاحية التونسية بهذه الطريقة من دون سموم كيماوية ومن دون أن تفقد قدرتها التنافسية أمام منتجات أخرى منافسة في زمن لم يعد فيه توفير المنتج الفلاحي كافياً في حد ذاته، بل أصبح هناك بحث عن الجودة واشتدت المنافسة بين الدول على توفيرها".