يُجمع المراقبون والمحلّلون في الجزائر على أن زيارة الرئيس عبد المجيد تبون لولاية "تيزي وزو" تكتسي طابعاً سياسياً بامتياز، إذ تُسقط كل ما كان يروّج له عن عداء هذه المنطقة لكل ما له صلة بالسلطة في البلاد. وكان لافتاً إعلان تبون عزمه الترشح لولاية رئاسية ثانية بعد ساعات فقط من انتهاء الزيارة.
واختار تبون أن تكون "تيزي وزو"، شرق العاصمة الجزائر، آخر محطة يزورها في ولايته الرئاسية الأولى، فحظي فيها باستقبال جماهيري حاشد، وفقاً لما أظهره التلفزيون الحكومي. وأشرف الرئيس الجزائري خلال الزيارة على تدشين مشاريع استراتيجية عدة في الولاية، على غرار ملعب كرة قدم يحمل اسم الزعيم الثوري حسين آيت أحمد، مؤسس أقدم حزب جزائري معارض في الجزائر، ومحطة لتحلية مياه البحر. كما وضع حجر الأساس لتشييد مستشفى جامعي جديد يتسع لـ 500 سرير.
رسائل سياسية وتنموية
ظهر تبون برفقة رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق اول سعيد شنقريحة متجولاً في شوارع "تيزي وزو" الرئيسية، يتبادل التحيات والسلام والمصافحة مع سكان المنطقة، مسقطاً بذلك الصورة الشائعة التي تشي بأنها منطقة تشكّل هاجساً للسلطة مع حلول كل استحقاق انتخابي.
ويعلّق سليمان نبار، الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية في جامعة وادي سوف، على هذه المسألة بالقول لـ"النهار العربي" إن الاستقبال الشعبي الذي حظي به الرئيس تبون "مؤشر قوي إلى أن المنطقة لن تعرف مقاطعة كالتي شهدتها في الاستحقاقات الانتخابية السابقة"، أي في اقتراع عام 2019 الرئاسي، واستفتاء عام 2020 الدستوري، وانتخابات 12 حزيران (يونيو) 2021 البرلمانية.
وسبقت زيارة الرئيس تبون إلى "تيزي وزو" مؤشرات توحي بانفتاح سياسي في مواقف القوى السياسية المتمركزة في المنطقة، كإعلان جبهة القوى الاشتراكية المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتقديم مرشح عنها هو يوسف أوشيش. واللافت أيضاً استكماله جمع لائحة التوقيعات المطلوبة مبكراً.
ومن مؤشرات التقارب السياسي إطلاق الرئيس تبون اسم حسين آيت أحمد، أحد أبرز قادة ثورة التحرير الجزائرية والزعيم التاريخي لجبهة القوى الاشتراكية، على ثالث أكبر ملعب في "تيزي وزو"، إضافة إلى إطلاقه مشاريع تنموية وخدماتية هدفها تحريك المياه الراكدة والتأكيد على مبادئ المساواة وعدم التمييز في التنمية المحلية، بحسب ما أكّد عمار سيغة، الأستاذ في العلوم السياسية في جامعة أم البواقي، مضيفاً لـ"النهار العربي": "سعى الرئيس من خلال زيارته التي تزامنت مع الاحتفالات الرسمية بعيد الاستقلال 5 تموز (يوليو)، إلى بعث رسائل عدة للجزائريين والنخب داخل المجتمع، منها تأكيده على الوحدة الترابية للبلاد، وتفعيل مقاربة المساواة في ملفات التنمية المحلية على وجه الخصوص".
تفاعل شعبي
تابع الجزائريون باهتمام شديد زيارة رئيسهم لولاية "تيزي وزو"، وسُجّل تجاوب واسع من النشطاء على وسائط التواصل الاجتماعي. فقد نشر الكاتب والإعلامي الجزائري رياض هويلي تدوينة له بعنوان "تيزي وزو بالأحضان"، يقول في جزء منها: "في الواقع وكما أظهرته الصور، لا توجد أي مشكلة، فقد كانت زيارة الرئيس إلى تيزي وزو بنفس الأهمية والتنظيم والاستقبال الذي حظي به الرئيس في خنشلة وتندوف ومختلف مناطق الوطن".
ويضيف: "للجزائريين والجزائريات تطلعات سياسية، إلى دولة العدالة والحرّية والديموقراطية، إلى دولة المواطنة والقانون، وهذا تطلّع لكل مواطن جزائري، حرّ، شريف أينما كان، وتلكم أمانة الشهداء، ما عدا ذلك هو حرث في بحر لا شواطئ له. فهنيئاً لتيزي وزو بمركبها الرياضي وملعب الدا الحسين، وهنيئاً للمواطنين بسكناتهم الجديدة ومشاريع تنموية، ولا عزاء لمن ينفخ في نار التفرقة بين الجزائريين".
وكتب الناشط الجامعي الأستاذ رشيد بوقرة في صفحته في "فايسبوك" تدوينة تحت عنوان: "الرئيس تبون يكسر الجليد بين السلطة ومنطقة القبائل"، وصف فيها الزيارة بـ"التاريخية"، لأنها بدّدت كل التوجسّات بل وكل التهديدات بإفشال الزيارة من طرف الجهات الانعزالية، التي وعلى ما يبدو أنها خسرت رهان الإبقاء على المنطقة كرهينة وأداة لابتزاز السلطة. كما يقول، مضيفاً: "الرئيس أراد إحاطة ترشحه للرئاسيات بكل شروط النجاح، لذا لم يكن من اللائق ترك منطقة القبائل في معزل عن التحولات والاختيارات التي تستعد لها البلاد".
ليست الأولى
ليست هذه الزيارة الأولى من نوعها، إذ قام الرئيس الجزائري منذ اعتلائه سدّة الحكم في البلاد بـ 6 زيارات رسمية، وكانت البداية من وهران، ثاني أكبر مدن الجزائر بعد العاصمة، في 22 حزيران (يونيو) 2022، تزامناً مع افتتاح الألعاب المتوسطية. ثم تفقّد ثلاث مدن كبرى وسط البلاد: العاصمة وتيبازة وبومرداس، وأشرف خلال حولته فيها على تدشين مشاريع استراتيجية كبرى، أبرزها محطات تحلية المياه، وافتتاح مستشفى الحروق الكبرى، ووضع حجر الأساس لتشييد المدينة الإعلامية في الجزائر العاصمة.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2023، زار الرئيس تبون محافظة الجلفة، ودشّن خلالها خطاً لسكك الحديد اختراقياً شمال - جنوب، يربط بين بوغزول (المدية) والجلفة بمسافة 140 كيلومتراً، وبين الجلفة والأغواط بمسافة 110 كيلومترات.
بعدها، زار الرئيس تندوف في أقصى الجنوب، على الحدود مع موريتانيا، وعاين مشروع استغلال منجم غار جبيلات الضخم للحديد، الذي يُعتبر من بين أكبر مخزونات الحديد في العالم. وفي أيار (مايو) الماضي، حطّ الرئيس الجزائري الرحال في مدينة خنشلة، وأطلق فيها مشاريع خدماتية عدة، أهمها تدشين خط للسكة الحديد بطول 51 كيلومتراً، وطريق مزدوج بطول 14 كيلومتراً، ومشروع سكني يضمّ 600 مسكن.