بعد ترقّب وطول انتظار، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ترشّحه لولاية ثانية. وفي لقاء إعلامي دوري مع الإعلام المحلي، قال تبون إن رغبته في الترشّح لولاية ثانية على رأس الجمهورية الجزائرية نابعٌ من دعوات الكثير من الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والشباب، مشيراً إلى أنه أدّى واجبه "أو جزءاً منه" خلال الولاية الأولى (2019 - 2024)، وأن "الاختيار الأول والأخير يعود للشعب".
وتبون هو سابع رؤساء الجزائر منذ الاستقلال في 5 تموز (يوليو) 1962، حيث خلف الرئيس المخلوع الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم 20 عاماً، وأطاحه حراك الجزائريين الذين ثاروا في 22 شباط (فبراير) 2019 ضدّ استمراره لولاية خامسة.
أزال إعلان الرئيس الجزائري المنتهية ولايته الكثير من الهواجس التي صاحبت المشهد السياسي العام منذ قراره بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية من كانون الأول (ديسمبر) 2024 إلى بداية أيلول (سبتمبر).
في توقيت ملائم
وشهدت الساحة السياسية في الجزائر ترقّباً شديداً سبق إعلان تبون ترشحه لانتخابات الرئاسة المقرّرة في 7 أيلول المقبل، خصوصاً أن الرئيس لم يُبدِ أيّ إشارة تبيّن نيته الترشح. وقالت الإعلامية والناشطة السياسية أمال ديب، إنّ الرئيس الجزائري اختار التوقيت الملائم للإعلان عن ترشحه لولاية ثانية على رأس الدولة، مضيفةً لـ"النهار العربي": "صحيح أنه لم يعد يفصلنا عن الموعد الانتخابي إلّا أسابيع قليلة، غير أن الواضح جداً هو أن الرئيس مستعدّ تمام الاستعداد لخوض غمار الانتخابات، والأحزاب السياسية الكبرى في البلاد تدعمه، كما أكّد جمهور واسعٌ من الشعب دعمه له، وبالتالي كل الأمور المتعلقة بجمع التوقيعات وغيرها من الإجراءات التي تؤهّله لدخول المعترك الانتخابي متوافرة".
وفي تعقيب على ما قاله تبون عن اختيار الشعب، لفتت ديب إلى أن الرئيس تبون صعد إلى سُدّة الحكم في نهاية عام 2019 بشرعية شعبية موثوقة، "إذ كان الأحقّ في رئاسة البلاد دون منافسيه الآخرين، وهو يُدرك تمام الإدراك أن الشعب يريد منه استكمال مساره في وضع البلاد على السكة الصحيحة لخمسة أعوام أخرى".
وتشير ديب إلى أن الرئيس مقتنع بما أنجزه خلال سنوات حكمه، خصوصاً أن البلاد كانت على شفا الانهيار الاقتصادي والسياسي قبل عام 2020، "فانتشلها، وأعاد التوازن إلى الدولة، وأولى الشعب والشباب خاصّة أهمية قصوى، إلّا أن احترامه للجزائريين يدفعه إلى التأكيد أن الاختيار لهم وحدهم".
أسماء بوزن سياسيّ
بإعلان تبون ترشّحه لولاية ثانية على رأس الجمهورية الجزائرية، تدخل الجزائر ملعب رئاسيات 7 أيلول 2024 بطفرة في الراغبين في الترشح، من النخب المُثلى الذين يُرتقب قَبول الهيئة المشرفة على الانتخابات ملفات ترشحهم، يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته، وزعيمة حزب العمال (اشتراكي) لويزة حنون، والسكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية (أكبر حزب معارض في الجزائر) يوسف أوشيش، إضافة إلى رئيس حركة مجتمع السلم (إسلامي) عبد العالي حساني.
تقول ديب: "إنها أسماءٌ ثقيلة لها أوزان سياسية مهمّة، وهذا يمنح السباق الرئاسي صدقية كبرى، ويمنح المنافسة على كرسيّ الرئاسة بُعداً نخبوياً سياسياً ومستوى خطابيّاً بعيداً عمّا كانت تعيشه الجزائر في مواعيدها الانتخابية الماضية".
ووصل عدد الراغبين في الترشح للرئاسيات الجزائرية المقبلة 34 مرشحاً، سحبوا الاستمارات من مقر السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وشرعوا في جمع التوقيعات في أنحاء البلاد، في وقت حُدّد تاريخ 18 تموز (يوليو) الجاري آخر موعد لجمع التوقيعات وإيداع ملفات الترشّح لدى السلطة المستقلة للانتخابات.
الامتحان المهم
يُلزم قانون الانتخابات الجزائري الراغبين في الترشح لرئاسة البلاد تقديم 50 ألف توقيع من المواطنين المستوفين شروط الانتخاب، من 29 محافظة على الأقل من بين 58 محافظة تتألف منها البلاد، أو تقديم 600 توقيعٍ من نواب الشعب والمجالس المحلية البلدية والولائية.
حتى اللحظة، نجح حساني وأوشيش وحدهما من أصل 34 مرشحاً في استيفاء شروط الترشح، إذ جمعا التوقيعات اللازمة. وقال أوشيش في تصريحات سابقة: "كان بإمكاني جمع أكثر كثيراً من العدد المطلوب من توقيعات المنتخبين في 16 محافظة"، في حين أكّد حساني جمعه أكثر من 1700 توقيع، "وهذا الرقم يبقى مرشحاً للارتفاع" كما يقول.
وتنادي الراغبة في الترشح لويزة حنون بحلحلة العراقيل التي صادفتها في طريق جمعها التوقيعات المطلوبة، ووجّهت رسالة إلى الهيئة المشرفة على الانتخابات قالت فيها إنها سجّلت غياب الظروف المادية والتقنية، "حيث كان من المفروض أخذ كل التدابير الضرورية قبل الانطلاق الرسمي لعملية جمع التوقيعات". وسارت على نهجها سيدة الأعمال سعيدة نغزة التي أصدرت بياناً طالبت فيه السلطة المستقلة للانتخابات بالتدخّل لإزالة عراقيل تعقّد عملية جمع التوقيعات.
وتعدّ عملية جمع التوقيعات الامتحان الأبرز في مسار الترشح للانتخابات الرئاسية في الجزائر. تقول أميرة ختّو، الإعلامية المتابعة للشأن السياسي، لـ"النهار العربي" إن عدداً كبيراً من الراغبين في الترشح، خصوصاً أولئك الذين تنقصهم الشعبية، يصطدمون بعجزهم عن جمع العدد القانوني من التوقيعات، لأسباب عدة، "يتعلق معظمها بالتعقيدات الكثيرة الخاصة بإقناع المواطنين وجمع توقيعاتهم، ومن ثمّ مصادقة مصالح البلدية عليها، وبالتالي لن يتمكنوا من بلوغ المرحلة الأخيرة من الترشح قبل خوض الحملة الانتخابية في منتصف آب (أغسطس) المقبل".
حركيّة إيجابية
وعلى رغم الحركية الإيجابية التي تعرفها الساحة السياسية خلال الأسابيع والأيام الأخيرة قبل الانتخابات، إذ تتحرّك الأحزاب السياسية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، شارحةً مواقفها من الموعد الرئاسي أو مُقدّمة مرشّحيها، فإن الصورة النهائية لم تتضح إلّا بإعلان تبون ترشحه.
تقول ختّو إن الساحة السياسية في الجزائر تشهد حركية منذ الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية المسبقة، "وزادها إبداء تبون ترشّحه لولاية ثانية، على الرغم من أن الصورة النهائية لرئاسيات 2024 لم تكتمل باعتبار أن أغلب الراغبين في الترشح لم ينتهوا بعد من عملية جمع التوقيعات، لكن يمكننا وصف نشاط الساحة السياسية في البلاد حالياً بالإيجابي".
وتضيف: "أعاد الملف الرئاسي السياسة إلى المشهد الإعلامي بشكل عام، فقد شهِدنا ظهور تكتّلات سياسية جديدة مقابل انخراط شخصيات وأحزاب لم تبدِ سابقاً أي رغبة في دخول غمار الانتخابات"، في إشارة إلى حزب جبهة القوى الاشتراكية، "وهذا مؤشرٌ إلى التغيّر في المناخ السياسي، خلافاً لما كان عليه الوضع في حقبة النظام السابق".