مع دخول فصل الصيف، رفعت الحكومة الجزائرية درجات تأهّبها لمواجهة حرائق الغابات، في محاولة لجعل صيف 2024 مخالفاً للسنوات الماضية، حين سجّلت البلاد حرائق بالجملة، راح ضحيتها العشرات إضافة إلى تكبّد البلاد خسائر مادية فادحة.
وفي مخطط استباقي، جُنّد 20 ألف رجل في الدفاع المدني، ورُفع عدد الثكنات في مختلف المناطق القريبة من الغابات، وأنشئ أكثر من 500 وحدة تدخّل، إضافة إلى مضاعفة عدد الطائرات المستخدمة لإخماد الحرائق. فقد أعلن وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد في نيسان (أبريل) الماضي عن استلام 5 طائرات جديدة لإخماد الحرائق، سعة كل واحدة منها 3000 لتر، كما تمّ استئجار 12 طائرة أخرى من نوع "R Tractor"، بحسب تأكيد قيادة الدفاع المدني الجزائري.
على غير عادة، كان التجهّز في هذا العام مبكراً، حيث اعتمدت البلاد خريطة طريق للوقاية من حرائق الغابات ومجابهتها ومكافحتها منذ شباط (فبراير) الماضي، بتنظيم الندوات واللقاءات التوعوية، توجّهت إلى الفاعلين والمواطنين من جميع الفئات، وشملت سكان المناطق الغابية والفلاحين وهواة التخييم وغيرهم.
تكتيك التدخّل الأولي
على الرغم من هذه الإمكانات والمخططات الاستباقية، البلاد ليست في منأى من نشوب الحرائق في مختلف المساحات الغابية، التي تتسع ملايين الهكتارات.
وتشهد الجزائر ارتفاعاً محسوساً في درجات الحرارة خلال تموز (يوليو)، ما يتسبّب في اندلاع الحرائق في محافظات عدة، حيث تمّ تسجيل ما يزيد على 100 حريق في أكثر من 20 محافظة في الشهر نفسه من العام الماضي، خصوصاً في سكيكدة وبجاية وبومرداس والبويرة وجيجل. وتقول الإحصائيات إن الأسبوع الأول من تموز (يوليو) الجاري سجّل اندلاع 10 حرائق على الأقل في محافظات شرق البلاد، أدّت إلى تلف العديد من المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة. وكان عدد كبير من الحرائق قد نشب في ثماني محافظات أخرى، بينها عين الدفلى وميلة والمدية وتيزي وزو.
كذلك، سُجّل منذ أيار (مايو) الماضي اندلاع العديد الحرائق، أبرزها حريقا ورقلة في جنوب البلاد وباتنة في شرقها، أدّيا إلى إتلاف 178 هكتاراً من الغابات و18 ألف نخلة و10 آلاف شجرة مثمرة، بحسب إحصاءات الدفاع المدني الجزائري.
المتغيّر في هذا العام هو السرعة والفعالية العالية في إخماد الحرائق، وعدم تسجيل أي خسائر بشرية. يقول نسيم برناوي، مدير الإعلام في الدفاع المدني الجزائري، لوكالة الأنباء الجزائرية، إن اعتماد تكتيك التدخّل الأولي "مكننا من تحقيق فعالية عالية في عمليات إخماد الحرائق عند نشوبها".
نحو... الجنوب
اللافت في هذا العام هو امتداد الحرائق نحو الجنوب، حيث طالت النيران ورقلة والمنيعة والمسيلة وتيميمون.
ففي محافظة ورقلة، أتى حريق كبير على واحات من أشجار النخيل في مختلف مناطق المحافظة، وتسبب في وقوع خسائر فادحة، بسبب امتداده إلى المخازن وحظائر الحيوانات، ما استدعى تدخّل الدفاع المدني مدعوماً بوحدات من الجيش الجزائري. وكانت الحال مشابهة في المحافظات الثلاث الأخرى، حيث أعلن الدفاع المدني عن تمكّنه من محاصرة الحرائق وإخمادها.
نادراً ما يُسجّل اندلاع الحرائق في هذه المناطق، على الرغم من درجات الحرارة العالية فيها، ما أدّى إلى طرح تساؤلات عدة عن الأسباب الحقيقية وراء الحرائق في واحات كثيرة بالجنوب.
عامل بشري وردع قانوني
بعيداً من عوامل الحرارة والتغيّر المناخي، وعلى الرغم من عدم المباشرة بأي تحقيق أمني للبحث في أسباب الحرائق الأخيرة إلى الآن، فإن متابعين لا يستبعدون ضلوع "عامل بشري" في هذه المسألة، بعدما اعتقل الأمن الجزائري في السنوات السابقة مشتبهاً فيهم، أثبتت التحرّيات تورطهم في اندلاع الحرائق.
وصدرت في العام الماضي أوامر بإيداع 12 شخصًا الحبس، كما أوقعت محكمة الجنايات في الدار البيضاء شرق الجزائر العاصمة، في أيار (مايو) الماضي، عقوبة السجن 7 أعوام على متهمَين بعد ثبوت تورطهما في حريق بغابة "جنان العناب" بمحافظة سكيكدة، شرقي الجزائر.
قضائياً، سنّت الجزائر ترسانة من القوانين منذ استفحال ظاهرة نشوب الحرائق صيفاً قبل سنوات قليلة، منذ أن أثبتت التحرّيات الأمنية عنصر الإجرام فيها. ويعاقب بالسجن المؤبّد كل من يضرم النار عمداً للاعتداء على البيئة والمحيط وإتلاف الثروة الغابية والحيوانية، وبالسجن بين 10 أعوام و15 عاماً مع غرامة مالية، كل من يتسبّب عمداً في اشتعال النار في أشياء، سواء كانت مملوكة له أم لا، كانت موضوعة عن قصد بطريقة تؤدي إلى امتداد النار للأملاك العمومية والخاصة.
أما إذا تسبّب الحريق في إحداث جرح أو عاهة مستديمة، فتُرفع مدة العقوبة إلى السجن المؤبّد. ويُعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين مع غرامة كل من تسبّب بغير قصد في حريق أدّى إلى إتلاف أملاك الغير، أما إذا أدّى إلى سقوط ضحايا، فيُعاقب الفاعل بالسجن من 5 إلى 10 أعوام. كما يُعاقب بالحبس من شهرين إلى 6 أشهر كل من استخدم النار لأغراض معينة من دون اتخاذ التدابير اللازمة، على غرار الطهي أو ترك النفايات وغيرها من الأغراض المسببة للحريق.
وتعوّل الحكومة الجزائرية على أن تكون هذه العقوبات رادعاً حقيقياً لكل من تسوّل له نفسه إضرام النار بشكل أو بآخر في المساحات الغابية أو الأشجار أو غيرها، لتقليص حجم الحرائق والحدّ من خسائرها.