النهار

منظومة الكهرباء تتداعى... ليبيا النفطية غارقة في الظلام
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار العربي
رغم أن ليبيا تتصدر قائمة أكبر دول افريقيا امتلاكاً لاحتياطيات نفطية مؤكدة، وتمتاز بقلة عدد سكانها مقارنة بمساحتها، إلا أنها تشهد خلال السنوات الأخيرة أزمة انقطاع للكهرباء تتفاقم مع فصل الصيف كل عام.
منظومة الكهرباء تتداعى... ليبيا النفطية غارقة في الظلام
عودة الى زمن الشمعة. (تعبيرية)
A+   A-
لا يشارك إسماعيل الكردوسي، المحاسب في أحد المصارف الليبية، الخبراء استغرابهم معاناة ليبيا الغنية بالنفط من أزمة شح في الطاقة تتفاقم عاماً بعد عام، فهو يعرف أن تداعيات الفساد والصراع على السلطة انعكست على مناحي الحياة كافة.
 
ورغم أن ليبيا تتصدر قائمة أكبر دول أفريقيا امتلاكاً لاحتياطيات نفطية مؤكدة، وتمتاز بقلة عدد سكانها مقارنة بمساحتها، إلا أنها تشهد خلال السنوات الأخيرة أزمة انقطاع للكهرباء تتفاقم مع فصل الصيف كل عام. لكن على مدى الأسبوعين الماضيين زادت حدة الأزمة، خصوصاً في مدينة بنغازي (شرق ليبيا)، ثاني أكبر المدن الليبية، حيث وصلت فترات انقطاع الكهرباء إلى أكثر من 10 ساعات يومياً، الأمر الذي عزته الحكومة الموازية برئاسة أسامة حماد إلى قطع في كابلات رئيسية مسؤولة عن إمداد المدينة بالكهرباء، خلال أعمال حفر "عشوائية". 
 
بنية تحتية متهالكة
ويقول الكردوسي لـ"النهار العربي": "رغم أن الأزمة متكررة نتيجة زيادة معدلات الاستهلاك، خصوصاً في فصل الصيف بالتزامن مع تراجع أداء محطات الكهرباء المتهالكة، لم تهتم الطبقة الحاكمة المنشغلة بالحفاظ على مقاعدها بحل الأزمة وإقامة مشاريع جديدة لإنتاج الكهرباء وصيانة المحطات التي يعود إنشاء أغلبها إلى عهد الزعيم الراحل معمر القذافي"، موضحاً أن انقطاع الكهرباء شل الحركة في بنغازي التي غرقت في الظلام، فبالإضافة إلى معاناة سكانها في ظل ارتفاع درجات الحرارة، تعطل عمل منشآت اقتصادية وخدمية في المدينة بما في ذلك مصرفه، كما ألقى بظلاله على امتحانات الثانوية العامة، مشيراً إلى أنه "للتغلب على الأزمة اضطر المقتدرون إلى شراء مولدات الكهرباء لمنازلهم، لكن انتظام عمل تلك المولدات قوبل بأزمة شح السولار والديزل اللازمين لعملها، فيما اضطر طلاب الثانوية العامة للذهاب إلى قاعات المناسبات العامة التي فتحت أبوابها لهم للمذاكرة ومراجعة دروسهم". 
 
 
وكانت حكومة حماد قد قدمت اعتذارها للمواطنين في الأحياء والمناطق التي انقطعت عنها الكهرباء نتيجة "هذا الخلل الخارج عن إرادة الجميع"، مؤكدة أنها "أولت كامل اهتمامها لإصلاح هذا العطل الطارئ، ووظفت كامل إمكاناتها المادية والبشرية لتقليص مدة الإصلاحات ما أمكن ذلك". وأكدت أيضاً أن "تحسين قطاع الكهرباء، سواء على مستوى الإنتاج أم التوزيع، هو في أعلى سلم أولوياتها، ومن أهم أهداف خطط التنمية وإعادة الإعمار".
 
أزمة بلا حدود جغرافية
أزمة الكهرباء لم تتوقف عند مدن الشمال الليبي الساحلي شرقاً وغرباً، بل إن حدتها أعمق في الجنوب، ويشير الناشط في مدينة سبها (أكبر مدن الجنوب الليبي) عبد الجليل المهداوي لـ"النهار العربي" إلى أن "أغلب أحياء مدينته التي تتميز بالطبيعة الصحراوية وترتفع فيها درجات الحرارة بمعدلات قياسية، تعاني انقطاعاً مستمراً في الكهرباء وضعف التيار، ما يؤثر في انتظام عمل الأجهزة الكهربائية ومضخات المياه التي تعمل على رفع المياه من الآبار، والتي يعتمد عليها سكان الجنوب للاستهلاك المنزلي والزراعي، بالإضافة إلى تربية المواشي والطيور". ورأى أن أبرز أسباب هذه الأزمة "يعود إلى تهالك الشبكة العامة للكهرباء، ما يؤدي إلى تعطلها باستمرار نتيجة الأحمال الزائدة... والسلطات المعنية لم تعمل على حلول جذرية للأزمة المستمرة منذ سنوات وتكتفي بإصلاح الأعطال التي تقع. كان يجب وضع خطة واضحة لزيادة القدرات الإنتاجية ومحطات توزيع الكهرباء وتغيير الشبكات المتهالكة حتى تكون قادرة على مواكبة زيادة الأحمال".
 
وأضاف: "كان يجب على السلطة أيضاً أن تستغل الطبيعة الصحراوية للجنوب الليبي والمساحات الشاسعة من الأراضي لتوليد الكهرباء من الطاقة النظيفة لتعويض النقص في الإمدادات وخفض الاعتماد على المحروقات، لكنها لم تذهب إلى هذا الخيار للأسف".
 
تعددت الأسباب
وفي المنحى نفسه، عزا أستاذ الهندسة الكهربائية توفيق المنفي أزمة انقطاع الكهرباء في ليبيا إلى عوامل عدة، "فمن ناحية هناك عجز يصل إلى ما يقارب الـ25 في المئة في إنتاج الكهرباء عن معدلات الاستهلاك، خصوصاً في فصل الصيف، كما أن شبكة نقل الكهرباء تحتاج إلى صيانة وتغيير لكوابل الضغط العالي والمتوسط، إذ إنها باتت لا تتحمل زيادة الأحمال كل عام، كما أن منظومة توزيع الكهرباء تحتوي على بعض السلبيات وتحتاج إلى معالجة، إذ إنها لا تمتلك كوابل ومحطات احتياطية تسمح بالمناورة في الحالات الطارئة والحوادث". ولفت المنفي أيضاً إلى أن "مناطق التحكم في كهرباء ليبيا لا تعمل وفق منظومة إلكترونية مثل دول العالم بل تعمل يدوياً، الأمر الذي يسبب مشكلات وأعطالاً. كانت هناك خطة للتحول إلى المنظومة الإلكترونية قبل عام 2011 لكن بعد أحداث شباط (فبراير) توقفت". 
 
وأضاف أنه رغم الموازنة الضخمة التي تحصل عليها شركة الكهرباء، إلا أنها لم تهتم بتحديث المنظومة وتغيير المحطات والشبكات المتهالكة، مشدداً على "ضرورة إلزام شركات المقاولات عدم الحفر من دون تصريح وتنسيق مع شركة الكهرباء، إذ إن انقطاع كوابل الضغط الأرضية حادث متكرر في ظل أعمال الحفر العشوائية". 
 

اقرأ في النهار Premium