النهار

اعتقالات وخطف وابتزاز... حقوق الإنسان في ليبيا إلى الأسوأ!
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار العربي
يبدو أن وضع حقوق الإنسان في ليبيا يسير من سيئ إلى أسوأ، ولا مؤشرات إلى استجابة السلطة المنقسمة في هذا البلد للضغوط الحقوقية المحلية والدولية
اعتقالات وخطف وابتزاز... حقوق الإنسان في ليبيا إلى الأسوأ!
من تظاهرات سابقة في ليبيا.
A+   A-
يبدو أن وضع حقوق الإنسان في ليبيا يسير من سيئ إلى أسوأ، ولا مؤشرات إلى استجابة السلطة المنقسمة في هذا البلد للضغوط الحقوقية المحلية والدولية، إذ لم تتوقف عند حد ملاحقة ناشطي التواصل الاجتماعي المعارضين ومحركي تظاهرات احتجاجية خرجت هنا وهناك، بل طاولت الاعتقالات المتصاعدة شخصيات ضمن دوائر السلطة والمقربين منها.
 
اعتقالات وخطف واختفاء!
وخلال الشهور الثلاثة الماضية، وفي ظل تصاعد الحراك المعارض ضد المتحكمين بالسلطة في شرق ليبيا وغربها، جرت سلسلة من الاعتقالات كان أبرزها اختفاء عضو مجلس النواب إبراهيم الدارسي في ظروف غامضة، ورئيس المجلس الأعلى لقبائل فزان الشيخ علي إبو سبيحة، وقبلهما بنحو عام اعتقل جهاز الردع في العاصمة طرابلس النائب حسن الفرجاني سالم، بالإضافة إلى الناشطين المعارضين في مدينة مصراتة (غرب ليبيا) المعتصم بالله عريبي ومحمد اشتيوي، وقبلهما عضو هيئة التدريس في جامعة الزاوية محمد ساسي، وأخيراً احتجز الصحافي المتخصص في الشؤون الاقتصادية أحمد السنوسي لثلاثة ايام قبل أن يطلق سراحه النائب العام، ما عُد رسالة شديدة اللهجة إلى المعارضين مفادها أنه لا خطوط حمراء. 
 
ودخل المجلس الأعلى للدولة (الغرفة التشريعية الثانية المفترضة) على خط الملف، ودان في بيان الأسبوع الماضي "حوادث الخطف المتزايدة في مختلف مناطق البلاد"، واصفاً إياها بـ"الأعمال الخارجة عن القانون"، داعياً إلى تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
 
وحذر المجلس في بيان من التهاون في مقاومة هذه الحوادث، مطالباً بملاحقة مرتكبيها وردعهم، ومشدداً على خطورة تبرير مثل هذه الأعمال التي تؤدي إلى الإفلات من العقاب. وأوضح أن "جميع إجراءات القبض والتفتيش والاستيقاف تخضع للقانون الذي حدد بدقة القائمين عليها، وآليات تنفيذها، وكذلك قواعد حمايتهم عند تنفيذ الأوامر، ومساءلتهم عند الإخلال بها"، مشدداً على أن "أي أعمال قبض أو احتجاز خارج نطاق القانون، حتى إن صدرت من أجهزة عاملة في الدولة، تعد أعمالاً غير قانونية، وتوجب ملاحقة القائمين بها وتقديمهم للمحاكمة، لردعهم وتأكيد سيادة دولة القانون".
 
قانون لا يُطبّق
المحامي الليبي عبد الحفيظ غوقة رأى أنه "في ليبيا لا يتم تطبيق القانون للأسف وإلا ما كنا أمام عشرات الحالات من المحتجزين والمخفيين قسرياً". وأوضح لـ"النهار العربي" أن "الإعلان الدستوري المعمول به في ليبيا يكفل الحق في التعبير والنشر وممارسة العمل السياسي، بل حتى التظاهر والاعتصام، لكن هذا لا يطبق في البلاد، فالمواطن الليبي محروم من كل حقوقة، حتى تلك الأساسية والحياتية، كما تم تغييب دور السلطات القضائية في ظل تغول الأجهزة الأمنية والتي باتت سلاحاً بيد المتحكمين في السلطة". وشدد على "ضرورة معالجة العقيدة الأمنية حتى تعمل لمصلحة المواطن لا السلطة".
 
وإذ حذر غوقة من استمرار تغول قوة السلاح في ليبيا وغياب سلطة القانون، شدد على أن "إتاحة حرية الرأي والتعبير وحمايتها تحققان استقراراً واقعياً في البلاد، أما أن تعتقد السلطة الحاكمة أن الاستقرار يُبنى على القمع وتكميم الأصوات فهذا استقرار هش وسرعان ما ستنفجر الاضطرابات في الشارع".
 
وأمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي عقد في 9 من الشهر الجاري في مدينة جنيف، استنكر المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك "تصاعد عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز في ليبيا"، لافتاً إلى "تسارع استهداف المعارضين السياسيين والأصوات الناقدة في جميع أنحاء البلاد".
 
60 حالة احتجاز تعسفي!
وقالت الأمم المتحدة إنها تحققت من 60 حالة على الأقل من حالات الاحتجاز التعسفي لأشخاص يمارسون سلمياً حقهم في التعبير عن آرائهم السياسية. وفي بعض الحالات، أعقب الاعتقال إعدام خارج نطاق القضاء، مرجحة أن يكون الرقم أعلى مع استمرار الاعتقالات. وحذرت الأمم المتحدة من أن هذا القمع "يتسبب في معاناة كبيرة للمتضررين وأسرهم، حيث كان بعضهم ضحايا للاعتقال والاحتجاز التعسفي". وأعرب تورك عن أسفه لاستمرار انعدام المساءلة عن هذه الانتهاكات والتجاوزات.
 
ومثلت ليبيا في اجتماع مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ 56 وزيرة العدل حليمة البوسيفي، وتحدثت في كلمتها عن "تحسن في حالة حقوق الإنسان نتيجة للخطوات الكثيرة التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية"، مؤكدة أن السجون التابعة لوزارة العدل تخضع بالكامل للرقابة والإشراف القضائي، وأن السجناء يتمتعون بحقوقهم الكاملة. لكن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، اعتبرت أن إحاطة الوزيرة حملت "مزاعم واهية وادعاء بعض الإنجازات التي لا أساس لها من الصحة، وإظهاراً للواقع بخلاف ما هو عليه من انتهاكات جسيمة، ما يُمثل استهانة بمعاناة الضحايا، ويدفع في اتجاه تعزيز حالة الإفلات من العقاب، ودفاعاً عن مرتكبي تلك الجرائم".
 
انتهاكات وابتزاز
ولفتت المؤسسة في بيان إلى "انتهاكات واسعة النطاق ارتكبتها الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية في ما يتعلق بقمع الحقوق والحريات العامة وحق التظاهر السلمي ومصادرتها والانتهاكات الأخرى المتعلقة بحالات الاختطاف والإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون، بالإضافة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق السجناء، والتي بلغت مستوي الابتزاز الجنسي لزوجاتهم، وكذلك بلغ مستوى تردي أوضاع السجناء وفاة عدد منهم بسبب إصاباتهم بالأمراض، وحرمان السجناء من المحاكمة العادلة ومن حق التواصل مع أهلهم ومحاميهم".
 
وأشارت المؤسسة أيضاً إلى "قمع حرية الرأي والتعبير وتقييدها وقمع حرية عمل منظمات المجتمع المدني". ودعت الضحايا والمتضررين من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وأهلهم وذويهم، إلى تقديم شكاويهم إلى المجلس الأممي لحقوق الإنسان، وفريق مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الخاص بليبيا، وذلك بموجب ما يُعرف بمبدأ التكامل بين القضاء الوطني والدولي. وأكدت "دعمها مطالب الضحايا وذويهم من أجل تحقيق العدالة والمساءلة، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب"، متعهدة "الاستمرار في نضالها بكل الوسائل والسبل المتاحة نحو تحقيق أهدافها الرامية إلى تعزيز سيادة القانون والعدالة وضمان حماية الحقوق والحريات والدفاع عنها، والسعي لضمان وقف هذه الانتهاكات الجسيمة، والتصدي لها".
 
ملاحقة الناشطين والمنظمات
لكن الناشط الحقوقي حسن كدنو أكد أن "أجهزة الأمن في ليبيا لم تكتف بقمع أي صوت معارض للطبقة الحاكمة والانتهاكات التي تمارسها الميليشيات، بل إنها صعّدت منذ عام 2021 حملاتها لملاحقة المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني والناشطين، لأن هذه المنظمات هي صوت الضحايا والفئات المستضعفة الذين يتم التنكيل بهم".
 
ولفت لـ"النهار العربي" إلى أنه "بعد يومين فقط من إحاطة وزيرة العدل أمام مجلس حقوق الإنسان والتي سعت خلالها إلى إظهار الصورة وكأنها وردية، جرى احتجاز الصحافي السنوسي، وقبله بأيام قليلة تم اعتقال ناشطين معارضين في مناطق متفرقة في ليبيا"، مشيراً إلى أنه "في النصف الأول من العام الجاري فقط تم توثيق أكثر من 50 حالة خطف وإخفاء قسري".
 
وكان الملف الحقوقي قد استحوذ على قسم من الإحاطة الأولى لنائبة الموفد الأممي المستقيل ستيفاني خوري، أمام مجلس الأمن، داعية إلى إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة بشأن المحتجزين والمخفيين قسراً في ليبيا. وقالت إن البعثة الأممية في ليبيا "تواصل الدعوة إلى تحقيقات مستقلة وشفافة في وفاة الرجال والنساء في الاحتجاز والاختفاء وأولئك المعتقلين تعسفياً وأن يجري إطلاقهم".
 

اقرأ في النهار Premium