لا يزال القانون الجديد القاضي بإمكان تولي عسكريين وظائف مدنية في قطاعات حساسة واستراتيجية في الجزائر يثير تساؤلات عن هدفه وجدواه.
وينصّ القانون المنشور في الجريدة الرسمية على شكل مرسوم رئاسي، على إمكان انتداب العسكريين إلى الوظائف والمناصب المدنية لمدة أقصاها 3 سنوات مع إمكان تجديدها، موضحاً أنه "يتم انتداب الضباط العُمداء والضباط السامين لشغل بعض الوظائف العليا في الدولة ضمن القطاعات الاستراتيجية والحسّاسة من حيث السيادة والمصالح الحيوية للبلاد... على أن تبقى تبعيّتهم لوزارة الدفاع الوطني التي تستمر في تسيير مسارهم المهني، كما يبقون خاضعين لمجموع الواجبات القانونية الأساسية التي تحكم حالة العسكري ويتقاضون رواتبهم وفق النظام العسكري".
الصرامة لتحقيق النجاعة
ومعروف عن المؤسسة العسكرية في الجزائر، نجاحها في مجالات عديدة، بخاصة في قيادة شركات الإنتاج الحربي من أسلحة وعتاد، وكمثالٍ على ذلك ما حققته الشركة الجزائرية لإنتاج السيارات ذات العلامة "مرسيدس بنز"، من نجاح في صناعة سيارات ومركبات عسكرية وشبه عسكرية ومدنية، وهي نِتاجُ اتفاق شراكة بين الحكومة الجزائرية ممثلة بمؤسسة الجيش و"آبار" الإماراتية والشركة الألمانية "ديملر"، وُقّع عام 2011.
واستطاعت الشركة تعزيز الصناعة الميكانيكية في الجزائر وتفعيلها بمنتجات بمعايير السوق الدولية، على عكس مصانع إنتاج السيارات المدنية خلال الحقبة الأخيرة من حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، أو ما عُرف بمصانع "نفخ العجلات".
ويقول محللون إن الشركة الجزائرية لإنتاج السيارات هي واحدة من الكثير من الشركات والمصانع والمؤسسات التابعة لمؤسسة الجيش التي استطاعت أن تكون فاعلاً حقيقياً في الاقتصاد الجزائري، بل ساهمت أيضاً في نمو الإنتاج الصناعي في البلاد، ما يدلّ على الكفاءة العالية في التسيير التي يتمتع بها إطارات الجيش الجزائري وعناصره، بكل رُتبهم، نتيجة التكوين العالي المستوى.
من جانب آخر، يعزو مراقبون اتخاذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون هذه الخطوة، نتيجة عدم قدرة بعض المدنيين على تطبيق برنامجه الرئاسي الرامي إلى تحسين الأداءات الإدارية في بعض المؤسسات المهمة، وعدم تماشي مسؤوليها مع نمط التسيير الذي يوصي به في إطلالاته الإعلامية وغيرها، ولا أدلّ على ذلك إقالته كثيراً من المديرين بعد وقت قصير من تعيينهم.
كفاءات مدنية عالية
"أعتقد أن تولي عسكريين مناصب مدنية لن تكون له أي نجاعة، بخاصة أن تجارب الدول في هذا الخصوص أثبتت فشلها"، يقول المحلل السياسي الدكتور عمر المهدي بخوش، مضيفاً أن تراجعاً كبيراً سجلته تلك الدول التي سارت على نهج هذا القانون وعلى الصعد كافة، بخاصة أن بعض الإدارات والقطاعات الاستراتيجية لا تحتاج إلى صرامة العسكري بقدر ما هي بحاجة لكفاءة مدنية عالية في التسيير لا قيود عسكرية لها.
ويؤكد بخوش لـ"النهار العربي" أن صرامة المؤسسة العسكرية ومميزاتها في التسيير المؤسساتي أثبتت نجاحها، غير أن "للجزائر آلاف الأدمغة المدنية ذات القدرات التسييرية العالية والتي يمكنها قيادة قطاعات استراتيجية وحساسة من دون الحاجة إلى الصرامة العسكرية، بدليل الكفاءات الجزائرية العالية التي تقود عديد المؤسسات والشركات خارج الوطن".
ويلفت إلى أن الجزائر تتمتّع بكفاءات شابة وطموحة في كل المجالات، قادرة على تولي مناصب المسؤولية خدمةً للوطن، غير أنها "تنتظر التفاتةً تُخرجها من عزلتها وتفجر طاقاتها وإمكاناتها وتمنحها الفرص لإبراز قُدراتها العالية"، داعياً إلى وضع الثقة بالكفاءات الحقيقية ومنحها الوقت الكافي والمحيط العملي والمهني اللازم على وجه الخصوص.
خريجو مدارس "أشبال الأمة"
ويتخرج كل عام آلاف الإطارات العسكرية من مدارس الجيش الجزائري باختلافها؛ ويقول مراقبون إن الدافع وراء إصدار القانون يعود إلى منح الفرص لخريجي مدارس "أشبال الأمة" التي أعاد تفعيلها الجيش الجزائري قبل أكثر من 15 عاماً، وتمتلك خزّاناً وافراً من الإطارات التي تلقّت منذ الصغر (يلتحقُ بها الأطفال الأقل من 15 عاماً) تكويناً هو خليطٌ بين المنهج التعليمي الرسمي في الجزائر والتدريب العسكري، وتصل نسب النجاح فيها إلى مئة في المئة أحياناً كثيرة.
وبالتالي، يرى مراقبون مؤيدون للخطوة أن الحديث عن "عسكرة الدولة" لا جدوى منه ما دام الأمر متعلقاً بأبناء الشعب الذين أثبتوا نجاحهم الدراسي وخضعوا لتكوين مدني بالموازاة مع التدريب العسكري، وتوظيف هذه الكوادر العسكرية المتخرجة من مدارس "أشبال الأمة" على وجه الخصوص، خطوة جديّة، بخاصة أن القانون الذي أصدره الرئيس الجزائري لا يعمّم مجالات توظيف العسكريين بل يحصرها في قطاعات حسّاسة واستراتيجيّة.