يتفاقم القلق الداخلي في ليبيا حيال احتمال توطين مهارجين، في ظل حديث متزايد عن صفقات وصالح سياسية تعزز هذه الهواجس.
وقبل فترة استضافت العاصمة الليبية منتدى دولياً ناقش قضية الهجرة غير الشرعية، شاركت فيه دول أوروبية وأفريقية متوسطية، لكن الحدث لم يخلص إلى اتفاق في ظل تباين واضح بين دول شمال المتوسط وجنوبه في شأن التعاطي مع الملف.
المنتدى الذي ترأسه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وكان أبرز حضوره رؤساء وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ومالطا روبرت أبيلا وتونس أحمد الحشاني، بالإضافة إلى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي ونائب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي مارقيتش شيناس، عُقد في ظروف أمنية متوترة، إذ تزامنت مع فاعلياته وعلى بعد كيلومترات قليلة من مقره، صدامات دموية بين ميليشيات طرابلس المتصارعة، وشهد أيضاً ارتباكاً واضحاً في التنظيم وصل إلى حد الاشتباك بالأيدي بين حراس الرئيس التشادي، وحراس الدبيبة خلال مراسم استقبال المشاركين.
امتعاض إفريقي ومخاوف ليبية
وأظهرت الكلمات والمناقشات أن الاهتمام الأوروبي منصبّ على تكثيف التعاون في تشديد إجراءات تأمين الحدود البحرية لمنع قوافل المهاجرين من عبور المتوسط والوصول إلى شواطئها، فيما ظهر الامتعاض الأفريقي من هذا النهج، وعبرت ليبيا وتونس عن رفضهما إعادة المهاجرين إلى أراضيهما باعتبارها خطوة نحو توطينهم. وطالب البلدان بالنظر باهتمام، على المستويين الاقتصادي والسياسي، إلى الدول المصدرة للهجرة لوقف هروب شبابها. التباين انعكس على البيان الختامي للمنتدى، الذي لم يأت على ذكر تعهدات لتنفيذ مشاريع لتحجيم قوافل الهجرة، أو اتفاق على تنفيذ إجراءات بعينها، واكتفى بتأكيد "أهمية التعاون والتضامن بين الدول والمؤسسات للبحث عن حلول شاملة للمعضلة"، مع التشديد على "ضرورة تطبيق استراتيجيات تتعامل مع جذور مشكلة الهجرة غير الشرعية، واضعة في اعتبارها قضايا التنمية وحقوق الإنسان".
لكن مع انتهاء فاعليات المنتدى ومغادرة الوفود، تسربت معلومات عن توقيع الدبيبة على هامشه على اتفاق غير معلن يقضي بـ"استضافة" ليبيا المهاجرين من الأطفال الأيتام والنساء، داخل مراكز تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية الليبية ستحظى بدعم أوروبي، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الليبية، وعُدّت الخطوة "تمهيداً لتوطين المهاجرين ومنحهم إقامات رسمية". وعزز الجدل تفقد وزير الداخلية الليبي عماد الطرابلسي ونظيره الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي ومسؤولين أوروبيين على هامش المنتدى، زوارق حربية قدمها الاتحاد الأوروبي لقوات حرس السواحل الليبي لمنع تدفق المهاجرين.
مصير التشاديين غير النظاميين
أما بخصوص الاتفاقات المعلنة على هامش المنتدى، فقد وقع وزير الداخلية الليبي مع نظيره التشادي اتفاقية بشأن ترحيل التشاديين غير النظاميين في ليبيا وتسوية أوضاعهم، وفقاً لبيان حكومي ليبي لم يكشف عن التفاصيل واكتفى بالإشارة إلى أنه "سيجرى تشكيل لجنة مشتركة، للإشراف على تنفيذ هذه الاتفاقية ومتابعتها وتقييمها، وستعقد هذه اللجنة اجتماعاتها بانتظام، لتقييم التقدم، ووضع حلول لأي مشكلات".
وأوضح البيان الحكومي أن الاتفاقية تهدف إلى تحديد شروط تسوية أوضاع المواطنين التشاديين الموجودين على الأراضي الليبية من خلال تحديد الهوية، وإحصائهم بالتعاون بين البلدين، مضيفاً أن "هذه الاتفاقية سيستفيد منها المواطنون التشاديون الذين يرغبون في العودة الطوعية إلى بلدهم من خلال المساعدة اللوجستية والمالية من الحكومتين الليبية والتشادية، وسيجري وضع برامج إعادة الإدماج، لتسهيل عودتهم وإعادة إدماجهم في تشاد".
تباينات أوروبية
الباحث في العلاقات الدولية وقضايا الهجرة البشير جويلي لفت إلى "تباين في مواقف الدول الأوروبية حيال التعامل مع الهجرة، فهناك من يُفضل استخدام العصا الأمنية الغليظة، وهناك دول لديها بعض الانفتاح والتسامح". وطالب بأن "تتفق دول العبور في جنوب المتوسط (ليبيا وتونس والجزائر) على خطة واضحة ومقاربات موحدة للتعامل مع الملف من الناحية القانونية الحقوقية والسياسية والاقتصادية وسيادة تلك الدول على أرضها، والتفاوض مع أوروبا جماعياً لأن تفاوض كل دولة منفردة يُضعف موقفها"، مشدداً لـ"النهار العربي" على أنه "من دون تعاون بين دول شمال المتوسط وجنوبه لن تُحل تلك المعضلة، فالمقاربات الأمنية وحدها غير كافية لأنها لن تحل المشكلة من الأساس".
أما رئيس حزب "صوت الشعب" فتحي الشبلي فذهب إلى التحذير من "مشروع أوروبي محوره دعم تنفيذ مشاريع في مجالات كثيفة العمالة في ليبيا، حتى تستوعب أعداد المهاجرين الأفارقة غير النظاميين، وهو ما طُرح خلال فاعليات المنتدى، ولاحظنا تجاوباً ليبياً محلياً مع هذا المشروع"، كما حذر من "الاستجابة للضغوط الأوروبية لاستقبال أكثر من 50 ألف طفل أفريقي يتيم، ما يقرب من ربعهم، من دون آبائهم وأمهاتهم، في دور الرعاية الليبية".
وقال الشبلي لـ"النهار العربي" إن "هناك إحصائيات تتحدث عن وجود نحو 3 ملايين مهاجر ينتمون إلى نحو 25 دولة أفريقية في ليبيا، ما يمثل قرابة نصف عدد سكانها، وهذا العدد مرشح للزيادة في ظل الاضطرابات والفقر في دول الجنوب الحدودية"، مشدداً على ضرورة أن تعمل الأجهزة الأمنية في الحكومتين (الشرق والغرب) على تأمين الحدود لمنع المزيد من قوافل الهجرة، مع بدء خطة لترحيل المقيمين بطريقة غير قانونية".
استغلال سياسي
المحلل السياسي عمر أبو سعدة اتهم، من جهته، حكومة الدبيبة باستخدام ملف الهجرة الذي تعاني منه ليبيا منذ سنوات طويلة، لتثبيت حضورها وشرعيتها على المستوى الدولي. ورأى أن الحضور في منتدى الهجرة بطرابلس "كان ضعيفاً بالنسبة إلى أهمية القضية وأبعادها المتشابكة، وبالتالي لم يحقق أي اختراق في الملف المخصص له".
وأوضح أبو سعدة لـ"النهار العربي" أنه "لو كانت لدى ليبيا إرادة حقيقية وسلطة تعمل لمصلحة البلد وشعبه لكانت استفادت من معضلة الهجرة غير الشرعية للضغط على أوروبا، وليس لأن تتحول ليبيا وأجهزتها إلى شرطي يحرس بالمجان شواطئ أوروبا من تدفق المهاجرين".
وأضاف: "الحدود الجنوبية الليبية هي الممر الرئيسي لتدفقات الهجرة غير الشرعية والتي تتجه إلى مدن الساحل الغربي ومنها إلى عرض البحر المتوسط، هي مساحات صحراوية شاسعة يصعب تأمينها، كما أن هذا الشريط الحدودي محاط بحزام من التوترات والاضطرابات، وبالتالي لا بد من معالجة تلك الإشكاليات في إطار دولي لمنع تدفق المهاجرين إلى ليبيا من الأساس".
واتفق أبو سعدة مع الشبلي في "التحذير من خطر التغيير الديموغرافي في ليبيا مع تصاعد أعداد المهاجرين وبقائهم على الأراضي الليبية، ناهيك بالمخاطر الأمنية".