يطرح ترشح الرئيس التونسي قيس سعيد لعهدة رئاسية ثانية النقاش في تونس بشأن حياد الإدارة ومدى تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين للانتخابات المنتظر تنظيمها في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
واختار سعيد مساء الجمعة 19 تموز (يوليو) الجاري لإعلان ترشحه من منطقة برج الخضراء في أقصى الجنوب التونسي.
لكن هذا الإعلان الذي كان متوقعاً وينتظره الجميع لاقى انتقادات كبيرة من المعارضة التي لم تفوّت الفرصة لشن حملة ضد سعيد، متهمة إياه بـ"استغلال أجهزة الدولة في حملته الانتخابية"، فيما تحدث أنصاره عن "تحامل وتوظيف سياسي" ضد مرشحهم.
"تلبية نداء الواجب"
وأعلن سعيد الترشح في مقطع فيديو نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية على "فايسبوك" وقال: "لو كنت خيرت لما اخترت، ولكن حين يدعوك الواجب الوطني فلا مجال للتردد، ولا مجال إلا لأن تقول إني استجبت ولبّيت"، متابعاً: "أعلن ترشحي للانتخابات الرئاسية لمواصلة مسيرة النضال في معركة التحرير الوطنية".
وتحدث سعيد عن سبب اختياره أقصى نقطة تونسية جنوباً قائلاً إنه اختار هذا المكان، برج الخضراء، لإعلان ترشحه، لأنه "يعبق برائحة النضال وهو رمز المناعة والسمو والعلو، وللتأكيد أن تونس دولة موحدة من آخر نقطة في الشمال إلى آخر نقطة في الجنوب، وستبقى موحدة".
ودعا سعيد في المناسبة الجميع ممن سيقومون بالاقتراع إلى "الانتباه من كل أشكال الاندساس والمغالطة"، وإلى أن "لا يقبلوا بأي مليم من أي جهة كانت".
استغلال أجهزة الدولة
وتواترت المواقف السياسية بعد إعلان سعيد ترشحه واختارت المعارضة أن تهاجم الرئيس بسبب ما اعتبرته "استغلالاً لأجهزة الدولة عند إعلان الترشح"، منبهة من أن ذلك "مناف لمبدأ تساوي الفرص بين جميع المرشحين".
وفي السياق انتقد الوزير السابق والسياسي المعارض محمد عبو في منشور على حسابه على "فايسبوك" إعلان سعيد ترشحه بتلك الطريقة، متهماً إياه باستغلال أجهزة الدولة، وذكر بأن الرئيس التونسي سبق له أن انتقد "موظفاً استعمل سيارة إدارية للذهاب إلى اجتماع حزبي، رغم أن هذا الموظف لم يكن عسكرياً ولا أمنياً".
وتابع: "اليوم ينتقل السيد قيس سعيد إلى الجنوب ومن المفروض بطائرة ليعلن ترشحه، وهذا له تكلفة تتعلق بالطائرة وبتنقل فرق تحرسه، لا علاقة لها بالمصلحة العامة".
ورأى السياسي التونسي أن سعيد "يمكنه في المرحلة الانتخابية، سواء في فترة ما قبل الحملة أم في فترة الحملة أن يستعمل سيارة الرئاسة المصفحة لتنقلاته، وأن يتمتع بحراسة تختلف عن حراسة بقية المرشحين لاعتبار أمني معروف باعتباره ما زال يباشر وظيفته، أما استعمال وسائل الدولة من دون مبرر أمني لإعلان ترشحه، فهذا يدخل في استعمال السلطة لتحقيق منفعة خاصة".
كما طالب سعيد بتفويض صلاحياته لرئيس الحكومة للتفرغ لخوض حملته الانتخابية، معتبراً أن ذلك يدخل في صميم حياد الإدارة والحفاظ على المال العام.
وهذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها مسألة حياد الإدارة بالنسبة إلى مرشح للرئاسة، وسبق أن قام رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد بتفويض صلاحياته عام 2019 لأحد الوزراء من أجل التفرغ للحملة الانتخابية، قائلاً حينها إن ذلك من باب الحرص على حياد الإدارة وأجهزة الدولة، وذلك تحت ضغط المعارضة التي طالبت بذلك.
ولا قانون يجبر موظفاً في الدولة أو نائباً على الاستقالة عند تقديم ترشحه للانتخابات التشريعية أو الرئاسية.
مزايدة سياسية
في المقابل، يعتبر أنصار سعيد أن كم الانتقادات الكبير الذي وجهته المعارضة له هو ضرب من ضروب المزايدة السياسية ضد مرشحهم الذي يعتبر "مثالاً للنزاهة" في نظرهم.
وسعيد هو رجل قانون يتمسك باستمرار بدفاعه عن القانون ورفضه كل أشكال الفساد وتوظيف أجهزة الدولة.
وخلال انتخابات عام 2019 كان سعيد من أقل المرشحين إنفاقاً على حملته الانتخابية بحسب أغلب الملاحظين، إذ اكتفى بلقاء الناخبين في المقاهي الشعبية متنقلاً بين مختلف مناطق تونس بسيارته الخاصة.
ولا يعرف بعد كيف سيكون شكل الحملة الانتخابية الجديدة لسعيد، لكن المتابعين يرجحون أن يستمر الرجل على النهج ذاته وأن يحرص على عدم استغلال أجهزة الدولة.
وتقول المحللة السياسية ضحى طليق إن انتقادات المعارضة "مردود عليها"، مضيفة أن سعيد هو حالياً رئيس لتونس ويمارس صلاحياته إلى حين انتخاب رئيس جديد، وبالتالي فهو مجبر على إعلان ترشحه خلال قيامه بأحد نشاطاته كرئيس.
وتضيف في حديث إلى "النهار العربي" أن جميع الرؤساء في العالم يعلنون ترشحهم لعهدة ثانية على هامش حدث يشاركون فيه.
وتعتبر طليق أن الحديث عن استغلال أجهزة الدولة من طرف سعيد في حملته الانتخابية سابق لأوانه، ولا يمكن التطرق إلى ذلك إلا مع انطلاق الحملة. وبخصوص مطالب التنحي موقتاً التي رفعتها بعض الأصوات المعارضة تقول إن ذلك أمر لا يستقيم، متسائلة: "هل تخلى ماكرون أو بايدن مثلاً عن صلاحياتهما كرئيسين عندما أعلنا ترشحهما لعهدة ثانية؟".
ودخلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على الخط، وعلق رئيسها فاروق بوعكسر على هذا الجدل مؤكداً في تصريحات صحافية السبت أن "الرقابة في ما يخص الإنفاق وحياد الإدارة تنطلق مع الحملة الانتخابية".