للمرة الثانية على التوالي يخوض الرئيس الجزائري المرشح عبد المجيد تبون السباق لقصر المرادية دون أي غطاء حزبي، رغم أنه يحظى بدعم الأغلبية الساحقة من الأحزاب السياسية الموالية للسلطة، ومنها حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، أكبر القوى السياسية والذي كان يشكل حزب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وسبق أن أعلنت الرئاسة الجزائرية، في حزيران (يونيو) 2020 أن الرئيس تبون جمد عضويته في حزب "جبهة التحرير" الحاكم سابقاً والذي كان يرأسه بوتفليقة و"لا علاقة تنظيمية له به".
وتحمل خطوة خوض الرئيس الجزائري الانتخابات الرئاسية المقبلة دون مظلة حزبية رسالة إيجابية مفادها أنه "رئيس كل الجزائريين، وتبعاً لذلك لا علاقة تنظيمية له بأي حزب سياسي معتمد"، كما يقول الدكتور لعروسي رابح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر-3. ويلفت إلى أن ترشحه كمرشح حرّ ليس بالأمر الجديد، فقد سبق له أن خاض الانتخابات الرئاسية التي أجريت في كانون الأول (ديسمبر) 2019 دون غطاء حزبي.
الممارسات السابقة
وهذا ما يعبّر، حسب لعروسي، عن "رغبته في أن يكون رئيساً للجمهورية بمختلف أطياف المجتمع الجزائري وألوانه السياسية"، ويعلل هذا الرأي الذي سبق وأن نقلته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن الناطق باسم الرئاسة محمد السعيد، بالتأكيد على أن "الرئيس تبون بترشحه حرّاً يريد أن يبعث برسالة للجزائريين بأنه لا يحمل أي توجه سياسي ولا أي إيديولوجية محددة، بل توجهه وأيديولوجيته هي الجزائر مثلما كان يصرح مراراً".
ومن العوامل الأخرى التي يمكن تسليط الضوء عليها "محاولة تبون تجنب سيناريو بوتفليقة وما وقع في العقدين الماضيين، فالحزب الحاكم كان محل غضب الشارع الجزائري خلال احتجاجات الحراك الشعبي في شباط (فبراير) 2019، ولم يقتصر الغضب على "جبهة التحرير" فقط، بل شمل جميع أحزاب التحالف الرئاسي آنذاك وحملها جزءاً من المسؤولية لما لحق بالبلاد من أزمات ومشاكل".
وهذه ليست المرة الأولى التي يخوض فيها رئيس جزائري السباق الرئاسي دون غطاء حزبي، فقد سبق لليمين زروال الترشح كمستقل في أول انتخابات تعددية أجريت في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، كما سبق أن ترشح بوتفليقة في انتخابات 9 نيسان (أبريل) 2009 كمستقل ووصف نفسه بـ"الحر" وبأنه "مرشح كل الجزائريين" وليس ممثلاً للون أو اتجاه سياسي ما.
ضعف المنظومة الحزبية
لكن من زاوية أخرى ثمة من يربط الأمر بالمنظومة الحزبية التي لم تطور نفسها وبقيت مجرد مكاتب إدارية، وفق أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر عبد الرزاق صاغور، الذي يرى في حديث لـ"النهار العربي" أن "الأحزاب السياسية تفتقد لمبادرات سياسية وأصبحت علباً وظيفية دورها تقديم المرشحين للانتخابات المحلية (البلدية) والبرلمانية".
ويضيف أن "الرئيس تبون ترشح سابقاً لمنصب الرئاسة كمستقل وذهب للشعب مباشرة، واليوم أيضاً اختار أن يكون مستقلاً عن الأحزاب والتحزب ومنظمات المجتمع المدني".
ويتفق مع هذا الطرح أستاذ العلوم السياسية بجامعة وادي سوف نبار سليمان، ويقول لـ"النهار العربي" إن من أهم الأسباب التي جعلت تبون يخوض الانتخابات كمستقل مخرجات الحراك الشعبي: "الرئيس يعتبره قاعدة صلبة تنطلق منها الخطوط العريضة لسياسته، فالحراك لفظ أحزاب التحالف الرئاسي وأقصاها من المشاركة في أي حوار وطني بشأن حل الأزمة، وخصوصاً بعد الزج بزعمائها في السجون على خلفية فساد مالي وسياسي".
السبب الثاني يكمن في عدم تطور المنظومة الحزبية في الجزائر، ويشير المتحدث في هذا السياق إلى أن "الرئيس غير راض على أداء الأحزاب، ومن أهم المؤشرات التي تبرز هذا استياؤه الدائم من مظاهر وسلوكيات تقوم بها قوى سياسية تمجد شخصه، وهي الممارسات الفولكلورية ذاتها التي كانت تميز المشهد السياسي قبل 2019".
وسبق لصحيفة "الخبر"، كبرى الصحف المحلية في الجزائر، أن عنونت صفحتها الأولى في أيار (مايو) بـ"الرئيس غاضب"، وانتقدت نقلاً عن الرئاسة "الحنين إلى الممارسات السابقة التي كانت تميز المشهد السياسي قبل حلول 2019، والذي بدأ يتوغل إلى قلوب النفوس الضعيفة وهواة الانتهازية وهو ما يتطلب اليوم التذكير والتحذير".
وترتبط الأسباب الأخرى حسب سليمان بـ"شرعية الإنجازات"، قائلاً إن "ترشح الرئيس لولاية رئاسية ثانية في انتخابات أيلول (سبتمبر) المقبل يرتبط هذه المرة بشرعية الإنجازات المحققة في الولاية الرئاسية الأولى، مع العلم أنه ورث تركة ثقيلة قيدت المبادرة الاقتصادية، وكان أمام تحدي تفكيك الكثير من الألغام الاقتصادية والقانونية".