تتولى جرافات تسوية أكوام من الرمال البيضاء لإحياء شاطئ تقلصت مساحته في مدينة الحمامات (شرق)، إحدى الوجهات السياحية الرئيسية في تونس، حيث تسارع انجراف السواحل في السنوات الأخيرة بفعل تزايد عمليات البناء الحضري فضلا عن تفاقم تداعيات التغير المناخي.
وقبل أيام قليلة من انطلاق فصل الصيف لهذا العام، جرت عملية إعادة جلب الرمال وتسطيحها بوسط مدينة الحمامات الواقعة على بعد 60 كلم من تونس العاصمة، بإشراف "وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي" التابعة لوزارة البيئة التونسية.
وخلال حزيران (يونيو) الفائت، جلبت شاحنات نحو 750 حمولة من الرمال، ما يعادل 15 ألف متر مكعب، من منطقة القيروان (وسط)، على بعد أكثر من 100 كيلومتر، ووُضِعَت على هذا الشاطئ الذي يمثل رمزا سياحيا تعتمد عليه بشكل أساسي البلاد لجذب السيّاح.
فخلال المواسم السياحية الجيدة يمكن أن تمثل السياحة ما يصل إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي لموازنة البلاد، كما توفر عشرات الآلاف من فرص العمل في بلد تتجاوز فيه معدلات البطالة 16% وتبلغ حوالي 40% بين الشباب.
تمثل الشوطئ الممتدة من شمال تونس إلى جنوبها إلى جانب المناطق الصحرواية والواحات، إحدى أهم الوجهات التي تسعى السلطات إلى التسويق لها في الخارج لاستمالة السيّاح الأوروبيين الباحثين عن أشعة الشمس على سواحل البحر الابيض المتوسط.
وتعمل تونس على جذب أكثر من عشرة ملايين سائح خلال هذا الموسم وتتجاوز الأرقام القياسية المسجلة قبل ثورة 2011.
يقول الكاتب العام لجمعية "التربية البيئية بالحمامات" شهاب بن فرج لفرانس برس: "يمثل هذا الشاطئ رمزا لمدينة الحمامات منقوشاً في خيالنا منذ الطفولة".
يظهر تقرير صادر عن البنك الدولي في العام 2020 أن "التآكل الساحلي في الحمامات ساهم في فقدان 24 ألف متر مربع من الشاطئ على مدى 13 عاما بين 2006 و2019، مع اختفاء ثلاثة إلى ثمانية أمتار من الشاطئ سنويا".
وفي هذه المنطقة، وصل التآكل "المذهل" بالفعل إلى مستوى "التدمير الكلي" لبعض الشواطئ خلال العامين الفائتين، وفقًا للجمعية.
تواجه السواحل التونسية تهديدا فعليا بخسارة متر ونصف متر من الخط الساحلي سنويًا، مما أدى عمليا إلى اختفاء 90 كيلومترًا من الشاطئ ويعرض للخطر 190 كيلومترًا إضافيا من الخط الساحلي الرملي البالغ طوله 570 كيلومترًا الصالحة للسباحة.
"ليست حلاّ مستداما"
يمكن أن تكون عملية جلب الرمال للشاطئ تقنية مفيدة من الناحية الجمالية والاقتصادية، لكنها "ليست حلاّ مستداما"، في تقدير بن فرج.
وبالفعل، توجد حلول أخرى نافعة وذات جدوى على غرار إقامة كاسرات أمواج على الشوطئ.
كذلك تشير الجمعية إلى حلّ آخر يتمثل في تركيب الأسوار الخشبية التي تثبت بالرمال على العديد من الشواطئ في تونس، ومكّنت من إعادة تشكيل الكثبان الرملية واستقرارها.
وبخلاف ذلك، فإن "الرمال قد لا تدوم طويلا، ويمكن أن تبتلعها عاصفة خلال أيام قليلة"، بحسب بن فرج، كما حدث في صيف 2023، "خلال أول عملية إعادة تهذيب للرمل".
لكن هذه الحلول مكلفة جدّا، علما أن تكلفة إعادة تعبئة ثلاثة شواطئ بالرمال في مدينة الحمامات والمنستير وصفاقس قدرت بـ 3,9 ملايين دينار، أي حوالي مليون يورو، بحسب وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي.
وتقول مديرة فندق "المنارة" بالحمامات، والمسؤولة النقابية المحلية نرجس بوعسكر إن الشاطئ "هو واجهة الحمامات". وتضيف: "بالنسبة لنا، الأولوية هي استعادة الشاطئ الذي ابتلعه البحر، وأن لا نمس جمال المدينة".
وتؤكد بوعسكر على أنها دقت ناقوس الخطر في الأشهر الأخيرة، وأعربت عن ارتياحها للوعي الذي أظهرته السلطات إزاء هذا المشكل البيئي.
لكن إعادة البناء ليست سوى "حلّ موقت" لأن "من غير المعروف كيف سيكون تفاعل البحر"، بحسب المديرة التي تشدد على ضرورة تحقيق توازن بين حماية المناظر الطبيعية المفضلة لدى المصطافين والعمل الفاعل من اجل الحد من تآكل السواحل الرملية.
وترى الجمعية البيئية ووكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي على السواء أن السبب الرئيسي لهذا التآكل التدريجي هو النشاط البشري من خلال التوسع الحضري غير المراقب في عمليات البناء، فضلا عن تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري الذي يسبب المزيد من العواصف العنيفة وارتفاع مستوى سطح البحر.
على شاطئ وسط مدينة الحمامات، أدى البناء إلى اختفاء الكثبان التي تؤدي دورا مركزيا في التجدد الطبيعي للرمال.
تندد الوكالة بعمليات تهيئة الشريط الساحلي والتي لم تأخذ في الاعتبار مجاري الأودية المسؤولة عن جلب 85% من الرواسب إلى الساحل.
ويؤكد مسؤول في الوكالة الحكومية: "لم تتم دراسة الإنشاءات بطريقة تحترم الديناميكيات الساحلية".
والشواطئ الأكثر تضررا من التآكل هي على وجه الخصوص تلك الموجودة في المناطق الحضرية، كما هي الحال في الحمامات وغيرها من المدن الساحلية مثل المنستير أو سوسة، بحسب شهاب بن فرج.