النهار

"نوابغ" الجزائر... يسافرون للدراسة ولا يعودون
الجزائر - نبيل سليماني
المصدر: النهار العربي
أظهرت نتائج شهادة البكالوريا 2024 في الجزائر حصول الطالب محمد أمين مقران على معدل 19,62 من 20 علامة، وهو أعلى معدّل يسجل في تاريخ الجزائر منذ استقلالها عام 1962. ومع إعلان النتائج عاد الحديث عن المتفوّقين الأوائل الذين تطلق عليهم تسمية "النوابغ" محلياً.
"نوابغ" الجزائر... يسافرون للدراسة ولا يعودون
الرئيس تبون مكرما أول البكالوريا العام الماضي
A+   A-
أظهرت نتائج شهادة البكالوريا 2024 في الجزائر حصول الطالب محمد أمين مقران على معدل 19,62 من 20 علامة، وهو أعلى معدّل يسجل في تاريخ الجزائر منذ استقلالها عام 1962. ومع إعلان النتائج عاد الحديث عن المتفوّقين الأوائل الذين تطلق عليهم تسمية "النوابغ" محلياً. 

والعام الماضي حاز الطالب محمد الأمين بن قداش معدل 19,50 من 20 والتحق بجامعة تورنتو ميتروبوليتان الكندية.

ودأبت السلطات في الجزائر على تكريم المتفوّقين الأوائل في البكالوريا، إذ يستقبلهم الرئيس الجزائري، ويكرَّمون بشهادات، ومنهم من يستفيد من مِنحةٍ دراسية خارج الجزائر.

غير أن متابعين كثيراً ما يتساءلون: "أين هم هؤلاء المتفوقون الذين يُعدّون بالآلاف ممّن مكّنتهم السلطات الحكومية من مِنح دراسية في كبريات الجامعات الأجنبية؟ وأين هو الاستثمار فيهم وفي عقولهم وفي تكوينهم؟". 

رغبةٌ جامحةٌ في الدراسة خارج البلد 
لم تخفِ سعيدة، الحاصلة على البكالوريا بمعدل 17 من 20، رغبتها في الهجرة نحو أميركا لدراسة تخصص تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، تقول لـ"النهار العربي": "حلمي الحصول على منحة تمكّنني من اللحاق بالدراسة في أميركا، أرغب في ذلك بشدة".
 
ألا يوجد هذا التخصص في الجامعات الجزائرية؟ تجيب: "بلى، ولكنْ هناك فرقٌ في المستوى، ليس انتقاصاً من قيمة جامعات بلدي ولكن الحقيقة أن الغرب برَع في العلوم التكنولوجية الحديثة بخاصة؛ ثمّ إني أريدُ التفوّق وأن أكون ضمن العلماء في هذا المجال". وبعد التفوق هل ستعودين إلى الجزائر؟ تبتسم مجيبة: "لا أدري ولكن بلدي يبقى بلدي وسأسعى دوماً لأكون خادمةً لوطني".

أعداد كبيرة من الطلاب الجزائريين المتفوقين بدرجات عالية في البكالوريا وغيرهم أيضاً، خرجوا في السنوات الماضية من الجزائر للالتحاق بالجامعات العالمية، وأغلبهم حقّق نجاحات كبيرة، بل تفوق وأضحى معادلة صعبة في كبريات الشركات ومؤسسات الإنتاج وغيرها؛ كثير من هؤلاء استفادوا من منح مالية من الحكومة على أمل العودة إلى الوطن لإفادته ولكن...

ترجع أسباب الرغبة في الحصول على منح دراسية خارج الوطن لاعتبارات عدة، لعل أبرزها مستويات التعليم والتطوّر المهني وكذا الفرص الكثيرة للحصول بعد التخرّج على وظيفة برواتب عالية، بالإضافة إلى البحث عن أسلوب عيشٍ مختلف، بخاصة لأولئك الذين استطاعوا الاندماج بسرعة وفي أول خطوة خطوها في الجامعات التي اختاروها لاستكمال دراساتهم. 
 
الرئيس الجزائري مستقبلاً أوائل العام الماضي
 
وتؤكد الإحصائيات أنّ الجيل الحالي من الجزائريين المتفوّقين في البكالوريا، يفضّلون جامعات بلدان معيّنة خارج البلدان المتعارف عليها والتي كانت إلى وقت قريب تستقطب آلاف الطلاب الجزائريين وفي شتى التخصصات؛ وأضحت كندا والولايات المتحدة وألمانيا تنافس فرنسا في الوجهة المفضّلة للنوابغ الجزائرية.

استحقاقٌ بـ"زاوية مُظلمة"
يرى الكاتب أيمن حولي أن استفادة المتفوقين في البكالوريا من منحٍ للدراسة خارج البلاد هي تكريمٌ يليق بمقامهم ويحفّزهم أكثر على مواصلة التفوّق، ويضيف أن الدراسة في الجامعات العالمية تمكّن  الطالب من تحصيل نوعيّ وتعليمٍ جيّد، وأيضاً تتيح الفرصة لهؤلاء الطلاب للاحتكاك بمختلف الكفاءات العالمية من أساتذة وجامعيين وأكاديميين على أمل الاستفادة منها بعد تخرّجهم ورجوعهم إلى البلد.

ويؤكد حولي لـ"النهار العربي" ضرورة أن تستفيد الجزائر من أدمغتها، لافتاً إلى إمكان عودة هؤلاء الطلاب للمساهمة بدورهم في رفع شأن الجزائر في مختلف الجوانب، بخاصة الاقتصادية منها والاجتماعية.

من جانب آخر، تشير الإعلامية سمية معاشي إلى "زاوية مُظلمة" في الاستحقاق الذي تمنحه الدولة الجزائرية لمتفوّقيها من الطلاب، وهي تلك الخسارة التي يتكبّدها البلد جرّاء عدم استثماره في الدعم المالي الذي يحصل عليه الطالب للدراسة في الجامعات الكبرى في العالم، وتقول: "من المشرّف أن تُساعد الجزائر طلابها المتفوّقين بدعمهم عن طريق منح للدراسة خارجاً. هؤلاء الطلاب سيدرسون وسيتخرّجون بتفوّق غير أنهم سيمكثون هناك لتستفيد منهم شركات الخارج على حساب نموّ بلدهم وتطوره".

وهنا يُطرح التساؤل عن الآلاف من الجزائريين الذين منحتهم الدولة فرص الدراسة خارج البلاد، إذ تقول الإحصائيات إن أكثر من 80 في المئة منهم يفضّلون البقاء في بلدان الجامعات التي تلقوا تعليمهم فيها، أو الإقامة في بلدان أخرى تمنحهم فرص العمل وفرص الانتقال إلى مستويات معيشية أفضل وأكبر، ليبقى القليل منهم من يختار العودة.

وتقول معاشي: "للأسف، نصدّر أبناءنا النوابغ إلى الخارج لنستفيد منهم مُستقبلاً، لنجد أنّ بلداناً أخرى تستفيد من تفوّقهم العلمي"، مؤكدة أن الجزائر بإمكانها "توفير كلّ الظروف الملائمة لهؤلاء الطلاب للدراسة في جامعاتها وتزويدهم بأحسن الإمكانات التعليمية والتكوينية، وبالتالي الاستفادة من نبوغهم وكفاءاتهم العالية خدمةَ للوطن"، تختم معاشي حديثها لـ"النهار العربي".

اقرأ في النهار Premium