دخلت ليبيا على خط منافسة دول عربية وإقليمية في مجال إقامة المهرجانات الفنية والفاعليات الترفيهية في فصل الصيف، لكنها لا تهدف إلى انتزاع حصة من السياحة الخارجية، بقدر ما تحاول تقليص أعداد رحلات الليبيين إلى الخارج، خصوصاً إلى دول الجوار، وفي الشق السياسي إظهار استعادة البلاد مظاهر الأمن والاستقرار بعد سنوات الحرب. ورغم الانقسام المؤسساتي وبعيداً من الصراع السياسي المحتدم، ستتنافس عاصمتا السلطة المنقسمة في ليبيا شرقاً وغرباً، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، على تصدر المشهد الترفيهي، ولقب الأكثر تأثيراً في استعادة دور هذا البلد الثقافي والفني.
فبعدما أطلق رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة مهرجان "أيام الصيف" في طرابلس والذي يستمر لشهرين، في محاولة على ما يبدو للرد على تقارير وضعت العاصمة الليبية ضمن أسوأ المدن للعيش فيها، تستعد مدينة بنغازي، ثاني أكبر مدن ليبيا وعاصمة الشرق الليبي، لإطلاق مهرجان "صيف بنغازي"، مطلع الشهر المقبل ولمدة أسبوعين، بحضور فنانين عرب ونجوم كرة قدم عالميين.
وبدأت مراسم افتتاح المهرجان الصيفي، المقام على الكورنيش الساحلي لطرابلس، تحت شعار "عروس المتوسط بثوب السلام"، بتقديم عروض فنية تلاها عرض مرئي يُعرّف بالموروث الثقافي ويحاكي ذكريات الماضي. وأكد الدبيبة بعدما جال على عدد من المرافق والمنشآت الترفيهية "أهمية مثل هذه المهرجانات في تعزيز السياحة الداخلية، وتوفير فرص للترفيه والتنشيط للمواطنين خلال الصيف، وهي مؤشر إيجابي إلى عودة الحياة". لكن رئيس الحكومة المركزية سعى إلى مغازلة حلفائه الإسلاميين، عندما وصف العاصمة الليبية بالمدينة "الجميلة والمستقرة والمحتشمة".
أما رئيس اللجنة العليا للمهرجان محمد حمودة، فاعتبر أن المهرجان "أصبح حقيقة بفضل جهود الشباب والدعم الحكومي لأفكاره ومبادراته"، موضحاً أن المهرجان "يحتوي على عروض ثقافية، وأنشطة رياضية، وعروض فنية، ومسابقات وأنشطة ترفيهية وألعاب للأطفال. وجميع البرامج متاحة لعامة الشعب".
وعدّ وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة المهرجان "فرصة مميزة لسكان العاصمة وزوارها للاستمتاع بفعاليات متنوعة، ومن بينها الأنشطة الثقافية والرياضية والعلمية".
"أجواء مبهجة"
الناطقة باسم مهرجان "ليالي طرابلس" أماني عمر أكدت أن "المئات من سكان العاصمة يتوافدون يومياً إلى مقر المهرجان الذي تسوده أجواء مبهجة"، موضحة لـ"النهار العربي" أن "فكرة إقامة المهرجان جاءت لتلبية حاجة العائلات الليبية للترفيه خلال فترة إجازات الصيف في ظل الضغوط المعيشية والصعوبات الحياتية... وجهود الأجهزة الحكومية تكاتفت لتجهيز مكان المهرجان حتى يُصبح الوجهة الأولى للترفيه في ليبيا".
تنوّع فني وثقافي ورياضي
وتوقعت عمر أن "يستقبل المهرجان نحو مليون زائر، في ظل تنوع الأنشطة بين الفنية والثقافية والمسابقات الرياضية، بما يُناسب العائلات ومختلف الفئات العمرية، بالإضافة إلى الفاعليات النسائية"، مشيرة أيضاً إلى أن "الفاعليات تتضمن أنشطة بحرية من جولات اليخوت وسباقات التجذيف والقوارب البحرية". وأضافت: "ثمة خلية عمل لتلبية مطالب الزوار، فأعضاء اللجنة المنظمة للمهرجان موجودون على الأرض لحل أي معضلات محتملة، وهناك وجود لمختصين محترفين في الرياضات البحرية، ونُشرت اللافتات الإرشادية للمارة، وقد وفرنا أماكن لاستقبال سيارات الزوار، فيما كثفت أجهزة الأمن وجودها لتخفيف حدة التكدس المروري في منطقة مكتظة أساساً بالسكان".
بنغازي تستعدّ ببرنامج حافل
أما في مدينة بنغازي (شرق ليبيا)، فتُجرى الاستعدادات للمهرجان الصيفي، الذي ترعاه مؤسسة "أجيالنا"، وينطلق الخميس المقبل، ويستمر حتى 15 آب (أغسطس)، ويتضمن عدداً من الحفلات الغنائية يُحييها فنانون عرب أبرزهم اللبناني وائل جسار، والتونسي نوردو، ونجم الراب المصري مروان موسى.
كما يُقام على هامش المهرجان معرض الكتاب بمشاركة 33 دار نشر، ومعرض تراث بنغازي، ويتضمن أيضاً فعاليات رياضية بإقامة بطولة في كرة القدم يفتتحها النجمان البرازيلي رونالدينيو والأرجنتيني باتيستوتا، إلى جانب بطولة للكرة الشاطئية ومنافسات لمسابقة سباحة وبطولة للفروسية. كما يستضيف المهرجان النسخة الأولى من بطولة البحر المتوسط للألعاب الإلكترونية، في حدث هو الأول من نوعه في ليبيا، بالإضافة إلى استضافة السيرك الروسي والإيطالي.
ونشرت الصفحة الرسمية للمهرجان صورة للنجم البرازيلي قائلة: "ساحر المستديرة الفائز بالكرة الذهبية عام 2005 ونجم السامبا... ولاعب برشلونة وميلان السابق اللاعب الدولي رونالدينيو يحل ضيفاً على مدينة بنغازي لأول مرة للمشاركة في فعاليات مهرجان صيف بنغازي".
ويأتي تنظيم المهرجان ضمن جهود المدينة لاستعادة زخمها على الخريطة الثقافية والسياحية، بعد سنوات الحرب والدمار، ويمثل تنوع الفاعليات محاولة لجذب شريحة واسعة من الجمهور.
إنفاق سخيّ
مصدر مسؤول عن تنظيم المهرجان دافع في تصريح لـ"النهار العربي" عن الإنفاق السخي على المهرجان وفاعلياته، ورأى أنه "حان الوقت لأن تستعيد بنغازي حياتها وحضورها في المنطقة بعد سنوات الحرب". وإذ أكد أن إقامة المهرجانات الفنية والثقافية تتزامن مع مشاريع مليارية لإعادة الإعمار، شدد على "ضرورة تحسين الصورة عن المدينة، واستبدال صور الخراب والدماء، بإقبال الشعب على الحياة والبهجة وإحياء دور الفن والثقافة، وحضور نجوم الفن والرياضة إلى المدينة يرسخ صورة استعادة المدينة للأمن والاستقرار".
وأوضح المصدر أن "المهرجان نوعي يمثل تظاهرة فنية – ثقافية - رياضية تحدث للمرة الأولى، ويفتح الباب أمام جذب استثمارات في مجالات الترفيه"، مشيراً إلى "محادثات مبدئية لإقامة شراكات مستقبلية بين بنغازي ودول إقليمية لاكتساب الخبرات في مجال تنظيم المهرجانات".