بالكشف رسمياً عن أسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية المبكرة المقرّرة في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، تكون معالم المنافسة المرتقبة على كرسي قصر "المرادية" قد اتضحت، بحسب مراقبين جزائريين، لا سيما أنها ستكون محصورة بين ثلاثة: الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني شريف، وفقاً لما أعلنه محمد شرفي، رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
هذا أقل عدد من المرشحين في تاريخ الانتخابات الرئاسية الجزائرية منذ إقرار التعددية الحزبية في نهاية الثمانينات، "ففي جميع العمليات الانتخابية السابقة لم يقلّ عدد المرشحين عن أربعة، وهذا مؤشر إلى مشهد سياسي تستحوذ عليه ثلاثة تيارات بارزة، الديموقراطي والوطني والإسلامي"، كما يقول المحلل السياسي عمار سيغة لـ"النهار العربي".
ويضيف: "هذه النتيجة التي أعلنت عنها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات معقولة، بالنظر إلى تراجع أداء التجربة الحرّة في الفضاء السياسي وغياب الحنكة السياسية وعدم استيفاء الشروط الموضوعية والشكلية لضعف الهيكلة وغياب الجدّية في إعداد الملفات التي شابها الكثير من الارتجال السياسي". ومرتقب أن تعتمد المحكمة الدستورية هذه النتيجة بعد الفصل في الطعون المقدّمة، في أجَل أقصاه 7 أيام من تاريخ إرسال آخر قرار.
حماسة سياسية
تشي قائمة الانتخابات الرئاسية الجزائرية في هذا العام بـ"حماسة" سياسية كبيرة، على الرغم من ترجيحات مبكرة بفوز تبون بولاية رئاسية ثانية. ويلفت سيغة الانتباه إلى أن المنافسة ستكون قوية بين التيار الإسلامي والديموقراطي وكل تيار يسعى إلى توظيف أوراقه الرابحة لكسب الرهان، "فحركة مجتمع السلم الجزائرية الإسلامية تراهن على الوعاء الانتخابي لحركة النهضة (وهو حزب محسوب على التيار الإسلامي) وعلى الوعاء الانتخابي للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي ورقة مهمّة بالنسبة إليها، أما حزب جبهة القوى الاشتراكية (أفافاس) فبإمكانه الاستثمار في وعاء حزب العمال اليساري المنسحبة رئيسته من السباق الرئاسي، وكذلك في الوعاء الانتخابي لحزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي (تقدّمي معارض) التي تترأسه زبيدة عسول، والتي كان ملفها بين الملفات المرفوضة".
إنها المرّة الأولى التي يخوض فيها حساني وأوشيش السباق الرئاسي، وهذا يزيد من حظوظ الرئيس تبون الذي سيستثمر في ما أنجزه في ولايته الرئاسية الأولى (2019 - 2024) من إصلاحات عميقة ومحاربة الفساد وتنويع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، ليفوز بولاية ثانية.
بلا أرانب
من منظور مختلف، يقول جدو فؤاد، الأستاذ والباحث في قسم العلوم السياسية والإعلام في جامعة بسكرة، لـ"النهار العربي": "هذا سباق رئاسي بلا أرنب"، مضيفاً أن "قائمة المنافسة مقبولة، وتدلّ على الابتعاد عن التضخيم كما كان يحصل في العهد السابق، وعلى التزام قبول ملفات توافرت فيها الشروط اللازمة".
ويلفت فؤاد إلى أن الانتخابات الرئاسية ستجرى في ظل مشاركة جبهة القوى الاشتراكية وحركة مجتمع السلم، "أي هناك شخصيتان حزبيتان تنافسان الرئيس تبون، المستقل الوحيد في القائمة، والذي فضّل عدم خوض الانتخابات تحت عباءة أي حزب".
وفي تعليق على ذلك، يقول الدكتور محمد حليم ليمام، الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية في جامعة الجزائر الثالثة، لـ"النهار العربي": "لا أتصور سيناريوهات أخرى غير ما هو قائم، أي استمرار الرئيس تبون في السلطة، لاعتبارات عدة منها فشل مساعي التيارين اللذين ينافسانه في الوصول إلى الحكم في كافة البلدان العربية، رغم بعض الاستثناءات".
بشفافية مطلقة
وكان شرفي قد أكّد أن عملية معالجة ملفات التصريح بالترشح واستمارات الاكتتاب الفردية المودعة من قبل الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية تمّت بشفافية مطلقة، "وتحكّمت فيها صفة المهنية والآجال المطلوبة قانوناً".
أضاف: "فصلت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الملفات 16 راغباً في الترشح للاستحقاق المقبل، وتمّ إبلاغ المعنيين بالقرارات المتخذة ليشرع المقبولون في الاستعداد للحملة الانتخابية، والمرفوضون في إعداد الطعون على مستوى المحكمة الدستورية، وفقاً للآجال المحدّدة قانوناً".
ويؤكّد فؤاد أن المرشحين اعتمدوا على المجالس المنتخبة لجمع التوقيعات والوعاء الانتخابي الحزبي، "فالمرشحون الثلاثة هم الذين لهم وعاء حزبي، واستطاعوا من خلاله تخطّي عتبة استمارات المنتخبين واستمارات الناخبين".