استعادت تونس قبل أيام ذكرى تاريخ 25 تموز (يوليو) ومحطاته الحافلة، كونه يوماً فارقاً في تاريخ تونس منذ إعلانها الاستقلال عام 1956.
ورغم تغير الحكومات وما رافقها من تعديلات لرزنامة الأعياد في البلد، ظل الاحتفال بعيد الجمهورية طيلة نحو 5 عقود حدثاً مميزاً، يتم الاحتفاء به عبر فعاليات رسمية وشعبية حرص الجميع على المحافظة عليها، لكنه بات اليوم مرتبطاً بأحداث استثنائية طبعت التاريخ السياسي المعاصر للبلاد.
ميلاد الجمهورية
في يوم 25 تموز عام 1957 تخلت تونس عن نظام الملكية وأقرت نظام الجمهورية بعد نحو عام ونصف العام من استقلال البلاد.
في ذلك اليوم صادق المجلس القومي التأسيسي المنتخب في آذار (مارس) 1956 على قرار مصيري في تاريخ تونس نقلها من حكم البايات (آخر ملوك تونس) إلى الحكم الجمهوري ليقع اختيار الحبيب بورقيبة كأول رئيس للجمهورية التونسية.
ويقول الباحث في التاريخ عماد الشهيدي لـ"النهار العربي" إن التونسيين استمروا في الاحتفال بعيد الجمهورية طيلة نحو 3 عقود من حكم بورقيبة ثم طيلة نحو عقدين من حكم زين العابدين بن علي.
ويتابع: "اختار بن علي أيضاً هذا اليوم في عام 1988 ليعلن عن تنقيح الدستور وإلغاء الرئاسة مدى الحياة التي أقرها تعديل دستوري سابق في فترة حكم بورقيبة عام "1975.
ومنذ ذلك التاريخ انطلق البلد في تجربة ديموقراطية، ورغم كونها صورية فقد تم الحرص فيها على تنظيم انتخابات رئاسية دورية مرة كل خمس سنوات.
ويوضح الشهيدي أن اعلان الجمهورية في ذلك اليوم جعل كل السياسيين الذين تعاقبوا على حكم تونس يدركون أن له رمزية كبيرة من حيث ارتباطه دائماً بالدستور "الذي يمنح كل حاكم شرعية الحكم"، لافتاً إلى أنه "طيلة كل هذه الفترة كان هناك اجماع على هذا الحدث من طرف كل الفاعلين السياسيين".
يوم حزين
لكن تاريخ 25 تموز لم يعد مناسبة لاحتفاء تونس بإلغاء الملكية فقط، فبعد أحداث 2011 صار هذا اليوم رمزاً لمزيج من الأحداث المفصلية التي لا تزال آثارها متواصلة على المشهد العام في البلد.
في 25 تموز يوليو 2013 وبعد أعوام من سقوط حكم بن علي وتصدر الاسلاميين للمشهد استفاق التونسيون على خبر اغتيال النائب المعارض في البرلمان ومؤسس حزب" التيار الشعبي" محمد البراهمي وذلك بعد أشهر قليلة من اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد.
عمليات الاغتيال ليست أمراً معتاداً في تونس، وطيلة تاريخها عرفت حادثة اغتيال واحدة أيام الاستعمار وراح ضحيتها النقابي فرحات حشاد، لذلك قلب الحدثان الواقع السياسي في البلد وكادا أن يغرقاه في دوامة الإرهاب، ما كان يهدد الجمهورية التي أسسها وحافظ عليها طيلة عقود طويلة.
دفعت عملية اغتيال بلعيد ثم البراهمي نحو استبعاد الاسلاميين من الحكم بعد حوار وطني قادته مجموعة من المنظمات الوطنية وتكليف حكومة مؤقتة بتسيير البلد.
انتخب التونسيون بعد ذلك حكومة جديدة يتزعمها حزب "نداء تونس" بقيادة الباجي قائد السبسي الذي أصبح الرئيس الثاني المنتخب بعد أحداث 2011 لكن الأقدار شاءت أن يفارق الحياة في يوم 25 تموز 2019 عندما كان التونسيون يستعدون للاحتفال بذكرى اعلان الجمهورية.
وبوفاة قائد السبسي دُفن مسار التوافق بين العلمانيين والإسلاميين وذهب البلد لانتخابات رئاسية مبكرة انتهت بانتخاب الجامعي قيس سعيد رئيساً جديداً لتونس، وليكون هذا الحدث لاحقاً منعطفاً حاسماً في تاريخ تونس المعاصر.
الأحداث الاستثنائية
لم تقف رمزية يوم 25 تموز عند هذه المحطة فقد صار هذا اليوم مرتبطاً في أذهان التونسيين بأحداث أخرى هامة فتحت صفحة جديدة في تاريخ البلد وغيرت مساره.
وعلى امتداد السنوات الأخيرة الثلاث صار يوم 25 تموز مناسبة بالنسبة لجميع الفاعلين السياسيين أنصاراً ومعارضة لاستحضار ما حدث عام 2021 أكثر منه للاحتفال بعيد الجمهورية التونسية.
في يوم 25 تموز 2021 وبينما كان فيروس كورونا يحاصر البلد ويحصد أرواح التونسيين اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيّد اجراءات استثنائية قلبت واقعه السياسي.
في ذلك اليوم نزل التونسيون للشارع مطالبين بإسقاط حكومة هشام المشيشي وحل البرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون.
كان المشيشي قبلها قد دخل في صراع مع سعيّد وأدخل البلد في أزمة سياسية حادة بسبب تعديل وزاري صادق عليه البرلمان، ورفض الرئيس التوقيع عليه ما أصاب الحكومة بشلل تام.
استمرت الأزمة بين سعيّد والمشيشي الذي انقلب على الأول بعدما استماله الإسلاميون رغم أنه من اختاره لهذا المنصب.
في ساعة متأخرة من مساء يوم 25 تموز 2021 حاصر الجيش التونسي مجلس النواب، فيما كان سعيد يتحدث للتونسيين معلناً تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 المتعلق بالتدابير الاستثنائية والتي قرر بموجبها تعليق عمل البرلمان وحل الحكومة.
أدخلت تدابير يوم 25 تموز 2021 الاستثنائية تونس في مرحلة جديدة، ومعها انطلق مسار سياسي آخر لا يزال مستمراً وصار يطلق عليه معارضو سعيد اسم "منظومة 25 تموز"، فيما سماه أنصاره "مسار 25 تموز" وذهب بعضهم لتأسيس حزب تحت هذا الإسم.
ومنذ ذلك التاريخ اندلعت أزمة سياسية حادة بسبب ما تبعه من قرارات ومحطات هامة أبرزها الاستفتاء على الدستور يوم 25 تموز 2022 الذي أفضى لصوغ دستور جديد لتونس تغير بمقتضاه نظام الحكم وعادت مقاليده للرئيس.
وبعد المصادقة على الدستور الجديد مضى سعيّد في تنفيذ خريطة سياسية رفضت المعارضة الاعتراف بها، من اجراء انتخابات تشريعية ثم انتخاب غرفة تشريعية ثم الاعلان عن تنظيم انتخابات رئاسية خريف هذا العام، يترقبها الجميع مؤكدين أنها ستكون حدثاً فارقاً في مستقبل البلد الذي قد يسعى ليكون مؤسس الجمهورية الجديدة.