لم تسلم صناعة النبيذ في تونس من انعكاسات التغيير المناخي، وفي بلد يعرف باستهلاكه الكبير لمختلف أصناف النبيذ، تتوسّع مخاوف المهنيين على مستقبل قطاعهم الذي يدرّ مداخيل مهمة.
وتعيش تونس منذ نحو سبع سنوات تحت تأثير موجة جفاف أثّرت على مخزونها من الماء، فيما صار البلد الذي كان يعرف بطقسه المتوسطي المعتدل يُسجّل درجات حرارة قياسية قاربت في بعض المناسبات الخمسين درجة.
ويعاني إنتاج العنب من تأثير ارتفاع الحرارة كأغلب الزراعات الأخرى في البلد، وأثر هذا الارتفاع على محاصيل هذه الثمرة وهي المكون الرئيسي لإنتاج النبيذ.
وتجاوزت درجات الحرارة خلال شهر تموز (يوليو) الـ40 درجة، ويؤكّد المزارعون أن هذه الدرجات المرتفعة تؤثر على نسبة السكر في العنب.
ويقول مكرم الرياحي، وهو مزارع يملك ضيعة لإنتاج العنب في جهة ماطر شمال تونس، لـ"النهار العربي"، إنّ عناقيد العنب يبست بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مؤكداً أنّ التغييرات المناخية أثرت على هذا القطاع الذي فقد عدداً كبيراً من العاملين فيه بعدما واجه العديد منهم صعوبات مالية وغرق في الديون.
وعادة ما يبدأ موسم قطف العنب المعد للتخمير في نهاية شهر تموز ويستمر لغاية نهاية شهر آب (أغسطس).
تراجع المساحات المزروعة
وتراجعت في السنوات الأخيرة المساحات المخصصة لزراعة العنب، ما تسبب في تراجع حجم الإنتاج بنسبة تجاوزت الـ40 بالمئة.
ويقول رئيس غرفة مُصنّعي المشروبات الكحولية محمد بالشيخ إنّ الأراضي المخصصة لزراعة عنب التحويل تراجعت بنسبة كبيرة خلال العقدين الأخيرين.
ويضيف أنّ "التغييرات المناخية كانت القشة التي قصمت ظهر القطاع وضاعفت من صعوباته"، لافتاً إلى أن صناعة النبيذ في تونس تواجه صعوبات عديدة قد تنتهي باندثارها.
وعن إنتاج العام الحالي يُقدّر أنّه سيكون بحجم إنتاج العام الماضي.
ويوضح أنّ المشكلات التي يعانيها القطاع بدأت قبل أكثر من 10 سنوات بسبب رفض وزارة الزراعة السماح للمهنيين باستيراد مشاتل لغرسها خوفاً من أن تتسبب في إصابة أشجار الزيتون بأمراض وفق قوله.
ويضيف: "أثبتنا أنّ ذلك غير صحيح وبرهنا لمسؤولي الوزارة بطريقة علمية أن لا خوف على أشجار الزيتون من هذه المشاتل، لكن رغم ذلك تواصل حظر الاستيراد وزراعة العنب المعد للتحويل".
ونتيجة لهذا الحظر، يؤكد لـ"النهار العربي" أنّ المساحات المخصصة لزراعة عنب التحويل تراجعت بشكل ملحوظ، مشيراً إلى أنّها كانت في حدود 19 ألف هكتار عام 2010 ثم أصبحت في حدود 15 ألفاً عام 2015، وفي عام 2019 أصبحت في حدود 9 آلاف هكتار، أما اليوم فإنها لا تتجاوز 5 آلاف هكتار.
وفي تونس نحو 13 مصنعاً لصناعة النبيذ تشغل نحو 4 آلاف عامل، فيما يعمل في زراعة العنب نحو 2500 مزارع، ويوفّر القطاع عامةً نحو 21 ألف فرصة عمل.
أزمة مرتقبة
ويتوقع بالشيخ أن يتراجع حجم إنتاج النبيذ مستقبلاً، ووفق تقديراته قد يعرف السوق نقصاً في هذه المادة، ما قد يُجبر الدولة على التوجه نحو الاستيراد لسد هذا النقص وتلبية حاجة قطاع السياحة، خصوصاً وهو الذي يعتبر المستهلك الأول لها.
ويشرح أنّه تم العام الماضي تعويض النقص الحاصل في إنتاج النبيذ باللجوء إلى استعمال نصف المخزون الاحتياطي، فيما يتوقع أن يتم سد النقص المسجل هذا العام بالتعويل على ما تبقى من هذا المخزون "وهو ما يعني أنه لن يكون لدينا مستقبلاً أي مخزون احتياطي من النبيذ".
ولفت إلى أنّ عمليات تصدير النبيذ التونسي توقفت تماماً منذ خمس سنوات.
ورغم أنّ صناعة النبيذ تعتبر صناعة صغيرة في تونس، إلا أنّها تدر مداخيل مهمة، ويقول بالشيخ إنّ عائدات القطاع تُقدّر بنحو مليار دينار تحصل الدولة على نحو 40 بالمئة منها في شكل ضرائب.
وتنتج تونس سنوياً نحو 32 مليون قارورة نبيذ يوجه جزء كبير منها إلى الفنادق بدرجة أولى ثم إلى السوق المحلية.
وتعتبر تونس الأولى عربياً في استهلاك الكحول والسادسة على مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط بنحو مليوني مستهلك.
وتاريخياً، تشتهر تونس بنبيذها الذي يوصف بأنّه ذو جودة عالية ومذاق لذيذ، وفي عهد الإمبراطوريتين القرطاجية والرومانية كانت تعتبر من بين أبرز منتجيه، لكن التطوّر الفعلي لهذه الصناعة حصل خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
وأشهر أنواع النبيذ المنتشرة في السوق المحلية هي الأحمر والوردي والأبيض. وتتراوح أسعار القارورة الواحدة من النبيذ سعة ليتر واحد بين 3 دولارات و10 دولارات لبعض الأنواع الفاخرة، وتفرض الدولة ضرائب معتبرة على هذا النوع من المشروبات.