النهار

رئاسيات الجزائر: أي خطاب يوجّهه المرشحون إلى الشعب؟
الجزائر - نبيل سليماني
المصدر: النهار العربي
بعد تحديد أسماء المرشحين، تستعد الجزائر لدخول آخر المراحل ما قبل انتخابات الرئاسة، وهي مرحلة الحملة الانتخابية المقرّر انطلاقها في 14 آب (أغسطس) الجاري. ​
رئاسيات الجزائر: أي خطاب يوجّهه المرشحون إلى الشعب؟
المرشحون لانتخابات الرئاسة في الجزائر (من اليمين): يوسف أوشيش، والرئيس عبد المجيد تبون، وعبد العالي حساني
A+   A-
بعد تحديد أسماء المرشحين، تستعد الجزائر لدخول آخر المراحل ما قبل انتخابات الرئاسة، وهي مرحلة الحملة الانتخابية المقرّر انطلاقها في 14 آب (أغسطس) الجاري.
 
ويدخل سباق التنافس المرشحون الثلاثة، المرشح الحرّ الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون، والسكرتير الأول لحزب "جبهة القوى الاشتراكية" يوسف أوشيش، ورئيس "حركة مجتمع السلم" عبد العالي حساني، وفي جعبة كل منهم برنامج سيحاول شرحه وتقديم مضامينه للجزائريين خلال ثلاثة أسابيع تسبق موعد الانتخاب. 
 
وبما أنّ التواصل آليّة مهمّة لإقناع الناخبين، ونظراً للتجارب الخطابية السيئة التي ميزت الاستحقاقات الانتخابية السابقة، خصوصاً ما كان سائداً قبل الحراك الشعبي الذي أطاح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فإنّ الجزائريين يمنون النفس بحملة انتخابية خالية من الخطابات المبتذلة البعيدة عن جوهر الاهتمامات الشعبية، راجين حضور خطابات سياسية ونقاشات انتخابية جديرة بكرسي الرئاسة. 
 
 
لغة متغيّرة
ويقول متابعون إنّ المرشحين الثلاثة يمثّلون زبدة الشخصيات السياسية في الجزائر، ولهم تاريخ سياسي محترم، سواء بالنسبة إلى الرئيس تبون أو لأوشيش أو حساني. والأخيران يقودان حزبين من أعرق الأحزاب السياسية في البلاد، ومعروفان بنشاطهما النضالي المتواصل، ما يجعل من مستوى الخطاب رفيعاً وذا قيمة يمكن به استمالة الناخبين وإقناعهم.
 
يرى حمزة حسام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، أنّ الحكم على الخطاب الذي سيسود خلال حملة التنافس للانتخابات الرئاسية المقبلة يحتّم الرجوع إلى ما كان سائداً في الفترة الأولى لحكم الرئيس.
ويقول لـ"النهار العربي": "أعتقد أننا لم نشهد خطاباً سياسياً حقيقياً يمكننا من خلاله التنبؤ أو التقييم. كان الظهور السياسي محتشماً جداً والنشاط الحزبي أيضاً، إلّا حزب واحد أو حزبين، أما باقي الأحزاب فكانت في حالة خمود كلي أو جزئي، وحتى تلك التي نشطت فإن نشاطها لم يكن خطابياً يسمح بتقييم مستواها الفكري والأيديولوجي، ومعرفة مدى قدرتها على الحوار والمناقشة والخوض في نقاشات البرامج"، لافتاً إلى أنّ الاعتماد على هذا المعيار "لن يمنحنا ما يكفي للتنبؤ بمستوى الخطاب خلال حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة".
 
تغيير ملحوظ
رغم ذلك، يجزم حسام بوجود تغيير ملحوظ في اللغة السياسية، مقارنة بما كانت عليه خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس بوتفليقة. يقول: "سجّلنا انحرافاتٍ خطيرةً جداً، من لغة نابية حيناً، وخطاب استفزازي للمواطنين ومعادٍ لثوابت الأمة أحياناً"، مؤكّداً أنّ مثل هذا "لم يعد موجوداً اليوم".
 
ويشير حسام إلى أنّ نوعاً من الحرص يسود السلطة الحاكمة في الجزائر الآن، لعدم تكرار الكثير من التصرفات والخطابات والتصريحات التي ميّزت فترة ما قبل العام 2019، ولا أدل إلى ذلك أكثر من المسارعة إلى إقالة وزير الرياضة في عهد حكومة تبون الأولى، عندما خاطب الشباب بلغة استفزازية قائلاً: "اللي ما عجبوش الحال يبدل البلاد" (الذي لم يعجبه حال البلاد فليغادرها ويتخذ له بلداً آخر)، ومثله أيضاً وزير الزراعة عندما ردّ على صحافي سأله عن أسباب ارتفاع أسعار البطاطا في السوق، فردّ قائلاً: "لا بدّ لك من تغيير الحي الذي تقطن فيه"، لتنتهي مهمّاته بعد ساعات قليلة.
 وبالتالي، فإنّ مثل هذا الخطاب المتضمن استفزازاً واحتقاراً للشعب، أضحى غير مقبول ولن يتكرّر أبداً، بحسب حسام.
 
 
اللامسموح
عرفت الجزائر في فترات سابقة تدنياً في مستوى التواصل الخطابي بين السياسيين والمواطنين. وظهر ذلك في أحيان كثيرة خلال الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية في العقود الماضية، ما ساهم في نفور المواطنين من التجمعات السياسية الشعبية، ومن الغوص في محتوى البرامج الانتخابية للمرشحين، فنأوا بأنفسهم عن صناديق الاقتراع.
 
في هذا الشأن، يقول حسام إنّ مثل تلك الانحرافات في الخطاب الموجّه للشعب "لم يعد مسموحاً بها"، لافتاً إلى أنّ نوعية المرشحين لانتخابات الخريف المقبل، الذين أفرزتهم السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات وأكّدتهم المحكمة الدستورية، تؤكّد أن خطاباتهم ستكون بعيدة عن الابتذال الذي كان سائداً من قبل، وبالتالي سيكون الخطاب السياسي خلال حملة الرئاسيات المقبلة "بعيداً عن الانحرافات التي شوّهت المشهد السياسي العام".
 
أخطاء معروفة
غير أنّ معطيات حالية تشير إلى إمكانية وقوع بعض ممثلي المرشحين الثلاثة، أو من يدعمونهم من الأحزاب والمنظمات وغيرها، في أخطاء معروفة سابقاً، عند تنشيطها الحملة الانتخابية لصالح من اختارت دعمه، خصوصاً أننا نشهد حضوراً مسبقاً لبعض الأحزاب والوجوه السياسية التي تعدّ جزءاً من ذاك الخطاب الاستفزازي الذي عاشته الساحة السياسية في الجزائر، خلال أزمنة فائتة، كما يؤكّد حسام.
 
ويضيف: "تدعم تلك الأحزاب المرشح الرئيس تبون، وقد نشهد منهم انحرافات خطابية، غير أنني أجزم بأن هذا الأمر أضحى محظوراً".
 
وعن مضامين الخطاب السياسي الموجّه إلى الناخبين في الحملة الانتخابية للموعد الرئاسي المقبل، يؤكّد حسام أنّ الجزائر لن تشهد نقاشات حقيقية تعبّر عن توجّهات أيديولوجية أو حتى فلسفات سياسية مختلفة بين المرشحين، بقدر ما ستشهد حواراً يرتكز في الأساس على البرامج الاقتصادية والجوانب التقنية.
 

اقرأ في النهار Premium