تلقّت مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة الأسبوع الماضي ضربة مؤلمة من الحركات الأزوادية المتمردة قُرب الحدود الجنوبية للجزائر مع مالي، ما تسبّب بمقتل وإصابة عدد من عناصرها، إضافة إلى عناصر في قوات الجيش المالي الذي يأتمر بأوامر المجلس العسكري الانقلابي.
وأبرزت صور وفيديوهات منتشرة على المنصات الاجتماعية مشاهد لمسلحي "فاغنر" وماليين قتلى وجرحى، محاطين بمتمردين طوارق ينددون بمالي وجيشها وبالمجموعة الروسية، ويتحدثون عن انتصار كاسح، وهو ما أقرّت به الجماعة الروسية في اعتراف نادر لها، إذ أعلنت أن مقاتليها وجنوداً ماليين تكبّدوا خسائر فادحة في قتال شرس.
خسائر فادحة
وقدّمت "فاغنر"، في بيان أصدرته الاثنين الماضي، تفاصيل معركة ضروس دارت راحها على نقاط التماس مع مالي، وقالت إنّ قواتها قاتلت في صف جنود مالي بين 22 و27 تموز (يوليو) الماضي، وإنّ مقاتليها قرب تين زاوتين كانوا بقيادة سيرغي شيفتشينكو، المعروف بالاسم الحركي "بوند".
أضافت "فاغنر" على قناتها في تطبيق "تلغرام": "في اليوم الأول، قضت المجموعة التي يقودها ’بوند‘ على أغلبية الإسلاميين وفرّ الباقون، غير أنّ عاصفة رملية أتاحت للمتطرّفين إعادة هيكلة أنفسهم وزيادة أعدادهم إلى 1000 شخص".
وأشارت المجموعة إلى أن مقاتليها صدَّوا هجوماً جديداً "غير أنّ إطلاق النار الكثيف من جانب المتمردين من طوارق مالي كبدّتنا خسائر فادحة، وسقط سيرغي شيفتشينكو قتيلاً".
الجيش فشل
أعادت هذه الأحداث غير المسبوقة، التي استقطبت أنظار الرأي العام العالمي، الحديث عن إمكانية إعادة تفعيل اتفاق السلام والمصالحة الذي ترعاه الجزائر منذ العام 2015، بعد إنهاء المجلس العسكري الحاكم في مالي العمل به في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي.
ويقول عدنان محتالي، الباحث الجزائري في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، لـ"النهار العربي"، إنّ ما حدث "امتحان للجيش المالي ولقدرته على بسط السيطرة على كامل تراب بلده، كما كان يأمل، وقد فشل في الامتحان، وتأكّد من عدم قدرته على فرض منطقه وتجسيد الحلول من دون الجزائر حتى لو ساعدته روسيا".
ويرجّح محتالي العودة إلى تفعيل اتفاق السلام بين الطرفين، "نظراً إلى التطورات الميدانية الجديدة".
ضربة مؤلمة
لم تستبعد الدكتورة نبيلة بن يحيى، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر 3، أن تعيد السلطة الانتقالية في مالي النظر في موقفها القاضي بإنهاء العمل باتفاق الجزائر.
وتقول لـ"النهار العربي" إنّ "فاغنر تلقّت ضربة موجعة، وقد تتعرّض لضربات مماثلة لأنها لا تملك تصوّراً دقيقاً للطبيعة الجغرافية للمنطقة التي لا يعرفها إلا سكانها".
وربّما تدفع هذه الصورة السوداوية، التي تعكس الوضع الأمني الراهن في منطقة الساحل الأفريقي، إلى "اللجوء ثانية للجزائر التي لعبت دائماً دور رجل الإطفاء لإدراكها التام حجم التهديدات والتحدّيات الأمنية التي تواجهها المنطقة"، بحسب بن يحيى.
لا حلّ عسكرياً
وجدّدت الجزائر استعدادها لبذل كل جهد سياسي من شأنه الإسهام في وقف الحرب والتوتر في مالي، معتبرة أن عودة القتال بين الجيش وحركة الأزواد تأتي في أعقاب إلغاء العمل باتفاق الجزائر للسلام.
وقال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في مؤتمر صحافي عقده الأربعاء الماضي: "بالنسبة إلى مالي، لدينا من حسن النوايا ومن الاستعداد والإرادة السياسية ما يدفع إلى الإسهام دائماً في ما يخدم أمن المنطقة وسلامها واستقرارها"، مضيفاً: "الجزائر لا يمكنها أن تدير ظهرها لما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، وبلادنا معنية بما يجري هناك".
وتابع عطاف: "تتذكرون جميعاً فحوى البيان الرسمي الذي أصدرته الجزائر بعد إعلان حكومة مالي الانسحاب من اتفاق السلام، حذّرنا فيه من مخاطر اندلاع حرب أهلية في هذا البلد الشقيق، وقلنا إنّ لا حل عسكرياً للأزمة، إنما هو سياسي".
وبحسب وزير الخارجية الجزائري، حافظ اتفاق السلام على سيادة مالي وحرمة ترابها ووحدتها الوطنية، والاستغناء عن الاتفاقية "سيضرّ بكل هذه المكتسبات، وما كنا نخشاه وقع".