للمرّة الثانية، يترشح الرئيس التونسي قيس سعيّد للانتخابات الرئاسية من دون سند أو غطاء حزبي، إذ لم يعلن بعد أي حزب دعمه الرجل الذي سبق أن خاض السباق الرئاسي سابقاً بالطريقة نفسها، فيما قرّر أبرز حزب كان يدعمه طيلة السنوات الخمس الماضية، وهو حزب "حركة الشعب" (قومي)، المشاركة في الانتخابات الرئاسية منافساً سعيّد، من خلال ترشيح أمينه العام زهير المغزاوي.
"شعبوي"
ويعيد ترشّح سعيّد بلا غطاء حزبي لهذا الاستحقاق النقاش حول علاقته بالأحزاب وموقفه منها بشكل عام، ورغبته في مواصلة مشروعه السياسي الذي تصفه المعارضة بـ "الشعبوي" القائم على فكرة البناء القاعدي، فيما يدافع هو عنه، مؤكّداً أنه يردّ الإرادة إلى الشعب.
وفي العام 2019، كان سعيّد أستاذاً للقانون الدستوري في الجامعة، وتمكن من تحقيق فوز مفاجئ وساحق في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، بنسبة تجاوزت 70 في المئة.
لم يستعن سعيّد حينها بأيّ من الأحزاب الناشطة على الساحة السياسية، ولم يطلب دعم أي منها، على الرغم من أنه حظي بمساندة كبيرة من حزب "حركة النهضة" الحاكم، حتى أنّ بعضهم كان يحسبه عليه.
وطيلة سنوات حكمه الخمس الماضية، لم يسع سعيّد إلى تأسيس أي حزب يمارس العمل السياسي تحت مظلته، أو يحظى بدعمه في خوض الانتخابات الرئاسية وحتى التشريعية، مخالفاً بذلك كل التوقعات التي كانت تؤكّد دائماً اعتزامه اتخاذ هذه الخطوة، حتى أنه لم يخفِ انزعاجه من الأجسام السياسية التي كان يوجّه إليها النقد باستمرار، ويحمّلها مسؤولية الإخفاق في حكم البلد، ويؤكّد أنها من تقف وراء كل "مخططات نشر الفوضى في البلد وإفشال كل مشاريع الإصلاح".
وعلى الرغم من وجود أحزاب تقدّم نفسها داعمة لسعيّد، ولما يُعرف بمسار 25 تموز (يوليو)، فإنّ الرجل لم يُبدِ ما يشير إلى تواصله معها، بأي شكل من الأشكال.
وفي عهده، كانت علاقته بأغلبية مكونات المشهد السياسي في تونس فاترة، قبل أن تتحوّل إلى متوترة بعد إعلانه التدابير الاستثنائية في تموز (يوليو) 2021.
ولم يستقبل سعيّد ممثلي الأحزاب منذ ذلك التاريخ إلّا في مناسبات قليلة، قبل أن يقطع هذا التواصل بشكل نهائي بعد دخوله في صراع معها، انتهى بإبعادها من الحكم وفقدانها جزءاً كبيراً من شعبيتها.
"مواصلة مشروعه"
يقول المحلّل السياسي بسام حمدي لـ "النهار العربي"، إنّ تمسك سعيّد بهذا الخيار "دليل على رغبته في استكمال مشروعه السياسي القائم على فكرة البناء القاعدي، والذي لا يعترف فيه بالأحزاب السياسية، ويعتبرها أجساماً وسيطة، لا يحتاج إليها السياسي كي يتواصل مع الناخبين".
ويضيف أنّ سعيّد "يرغب في مواصلة استراتيجيته الاتصالية نفسها، القائمة على عدم تبنّي فكرة الأحزاب، حتى يقنع المواطن التونسي الغاضب منها باختلافه عنها"، فهو لا يرغب في أن يُحسب على أي من هذه الأحزاب، إذ يعي أنّ "معظمها فَقَد ثقة الناخبين".
كذلك، يرى المحلل السياسي مهدي المناعي، في تصريح لـ"النهار العربي"، أنّ ترشّح سعيّد من دون مظلة حزبية "ترجمة لوفائه" لمبادئه وللوعود التي قطعها للتونسيين، بقطع أي اتصال مع منظومة الحكم السابقة بكل مكوناتها، بما فيها الأحزاب التي صارت "عنواناً للفساد بنظر الشعب" التونسي.
في مقابل ذلك، يفضّل سعيّد "التواصل مباشرة مع الناس، وممارسة الحكم بردّ الإرادة إلى الناس، من خلال انتخاب مؤسسات تمثلهم وتحكم باسمهم وتجسّد تطلعاتهم، وهي مجلسا النواب ومجالس الأقاليم والجهات".
سيناريو عام 2019
ويرى حمدي أنّ حظوظ سعيّد في الفوز بهذه الانتخابات "لن تتأثر" بترشحه مستقلاً لا يحظى بأي دعم حزبي، موضحاً أنّ "الناخب التونسي عرف في سعيّد شخصية غير متحزبة، وهذا يُرضي جزءاً كبيراً من التونسيين، لا يشعر بالرضا عن الأحزاب السياسية الموجودة، لأنها لم تحقق أهداف الثورة، ولا بدّ من إبعادها عن المشهد السياسي، وهذه هي المفارقة التي يحاول سعيّد استثمارها في السباق الرئاسي".
لكنّ حمدي يستبعد تكرار سيناريو العام 2019، مرجحاً ألّا يحصل سعيّد على نسبة التصويت نفسها، ويقول: "قبل سنوات، تقدّم الرجل في السباق الرئاسي مستقلاً، فصوّت له التونسيون بعدما توسموا فيه أن يكون أفضل بديل عن منظومة حكم فشلت على امتداد نحو عشر سنوات في تحقيق ما يطمحون إليه... إلّا أنه لم ينجح في خمسة أعوام بتقديم حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلد، كما وعد، وهذا يقلّص من حظوظه في تحقيق أغلبية ساحقة والفوز بالرئاسة في الدور الأول".
خلافاً لذلك، يرى المناعي أن سعيّد المرشح مستقلاً، قادر على تكرار سيناريو العام 2019، "فالشعب التونسي تأكّد أنّه رجل مختلف عمّن حكموا البلاد منذ العام 2011، ولذلك سيجدد ثقته فيه، إيماناً منه بأنّه الوحيد القادر على إصلاح ما أفسدته منظومة ما قبل 25 تموز (يوليو)".