شهدت المحاكم الجزائرية في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الطلاق، فبحسب أرقام الخلع والطلاق الواردة في تقرير صادر عن الديوان الجزائري للإحصاء، ارتفع معدل الطلاق من 20.9 بالمئة في العام 2019 إلى نحو 33.5 بالمئة في العام 2023، بواقع 93 ألف حالة طلاق تقريباً.
وهكذا، وفقاً للتقرير نفسه، تنتهي علاقة زوجية واحدة من كل ثلاث علاقات بالطلاق، مع التأكيد أنّ العام 2022 شهد نحو 44 ألف حالة بين طلاق وخلع، أي ما يعادل 240 حالة يومياً، و10 حالات تقريباً في كل ساعة.
اللافت للنظر في التقرير هو انخفاض عدد حالات الزواج منذ العام 2014، وبمعدّل أسرع منذ العام 2020. وأحصى الديوان الجزائري للإحصاء 285 ألف عقد زواج في العام 2023، بانخفاض 10 بالمئة عن العام 2019، ليرتفع العدد إلى 315 ألفاً في العام 2021.
تأهيل إلزامي
تتعدد الأسباب لكن النتيجة واحدة: فك الميثاق الغليظ بمسميات مختلفة. فما السبب؟ تقول المحامية الجزائرية نبيلة واضحي لـ"النهار العربي" إنّ الخلل ليس قانونياً بحتاً، وتردّ المسألة برمّتها إلى التنشئة الاجتماعية بالدرجة الأولى، فـ"في العصور القديمة كانت المرأة مسلوبة الحقوق، محرومة من التعليم، لكن الوضع مختلف اليوم، فتلك المرأة استطاعت أن تربي امرأة أخرى، ناجحة وواثقة بنفسها، وقادرة على تحدي المصاعب، وعلى مشاركة زوجها في تحمل أعباء الحياة".
تضيف واضحي: "لعلّ أهم ما غرسته فيها هو أنّ الشهادة الجامعية سلاح للمرأة لا للرجل وحده، فإن تزوجت أو لم تتزوج، الشهادة وثيقة أمانها. ولذلك، لم تعد الفتاة اليوم مبرمجة لإصلاح الأسرة والحفاظ على تماسكها واستقرارها، بل مبرمجة أيضاً للنجاح في الحياة المهنية، وتأمين مستقبلها". وبحسب الناشطة الحقوقية، ألقت هذه المعتقدات بظلالها على الروابط الزوجية، خصوصاً أنّ "الزواج في نظر أزواج كثيرين هو توفير مهر، وتكاليف زفاف، وعادات أخرى تطلبها عائلة العروس، من دون الإلمام بالجانب النفسي في المرأة، وهي التي ستكون شريكةً في حياته".
واضحي مقتنعة بأنّ التأهيل قبل الزواج ضروري لتكوين أسرة، لأنّه "يمكّن طرفي المعادلة من حل مشكلات وخلافات كثيرة، ويؤهلهما لحسن التعامل مع حياتهما الجديدة المشتركة". ولذلك، تناشد السلطات "إقرار دورات التأهيل قبل الزواج بقرار رسمي، شأنها شأن الفحص الطبي، فلا يتم الزواج من دون توفر شرط الخضوع لهذه الدورات، فهذه التجربة نجحت في ماليزيا، إذ ساهمت في خفض نسبة الطلاق إلى 8 بالمئة في العام 2000 بعد ارتفاعها بشكل كبير في الثمانينات والتسعينات".
صلح شكلي
من الناحية القانونية، تربط واضحي ارتفاع عدد حالات الطلاق بالسرعة الفائقة في تطبيق الإجراءات القضائية. تقول: "تستمر جلسات الصلح التي يعقدها القاضي للإصلاح بين الزوجين ثلاثة أشهر فقط، والمفروض أن تستغرق وقتاً أطول، كي يتسنى إخماد نار الغضب في كل منهما، وحتى لو طالت عاماً كاملاً، فالمهم أن تصل إلى خواتيمها السعيدة"، فهذا هو الإجراء المعمول به في دول أوروبية كثيرة.
وتذكّر بالعودة إلى ما أمر به الله، وهو "اللجوء إلى حكم من أهله وحكم من أهلها"، مضيفة: "من الضروري أيضاً اللجوء إلى استشاري أسري قبل الطلاق تحت طائلة بطلان إجراءات الانفصال، أو تدعيم التشكيلة القضائية التي تشرف على جلسات الصلح باستشاريين أسريّين ورجال دين".
تؤيّد هذا الرأي سامية بن قوية، أستاذة تعليم عالي بكلية الحقوق جامعة الجزائر 1 ومحامية معتمدة لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، فتقول لـ"النهار العربي" إنّ "جلسات الصلح صارت شكلية ولم تعد تفي بالغرض الذي لأجله شُرعت"، على الرغم من أنّ المشرع الجزائري فرض على القاضي إجراء محاولات الصلح في قانون الأسرة المعدل في المادة (49) منه، والتي تنص على الآتي: "لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولات صلح عدة يجريها القاضي دون أن تتجاوز مدته ثلاثة أشهر ابتداءً من تاريخ رفع الدعوى".
كذلك، نظم هذا الأمر في قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المواد (431) و(439) إلى (448) منه، إلا أنّ الفقه والقضاء اختلفا في إلزامية هذه الجلسات، وفي أثر إغفال القاضي هذا الإجراء المؤدي إلى بطلان حكم الطلاق أو التطليق أو الخلع أو الطلاق بالتراضي.
وتضيف بن قوية: "القضاة في العادة لا يمضون وقتاً كافياً مع الزوجين المتنازعين لإعادة لمّ شمل الأسرة والبحث عن أسباب الطلاق الحقيقية"، مقترحةً "ترسيخ الوازع الديني" لدى أفراد المجتمع الجزائري، فالدين بحسبها هو "صمام الأمان لاستقرار الأسرة في عصر تتسيّده وسائل الإعلام والاتصال والتقنيات الحديثة، مع ضرورة إلزام الزوجين قبل الزواج بحضور جلسات التأهيل الأسري، وإنشاء محاكم خاصة بالأسرة، فلا يلجأ الزوجان إلى المحاكم إلا بعد مرور النزاع على هيئة مكونة من إمام ومتخصص اجتماعي وآخر نفسي".
التّوعية مهمّة
ثمة حلول أخرى تطالب الاختصاصية الاجتماعية سارة زقاد باعتمادها للحد من تزايد حالات الطلاق. وتقول لـ"النهار العربي" إنّ "تكثيف دور الإعلام في التوعية من خلال برامج وحصص إذاعية وتلفزيونية، والتفعيل الفوري لدور المرافقة الأسرية، وأهمية اللجوء إليها قبل اللجوء إلى المحاكم، مع إحالة دعوى الطلاق قبل الفصل فيها إلى متخصصين في العلاقات الزوجية ليعملوا على إيجاد حلول بديلة، يمكن أن تحول دون الوصول إلى الطلاق".
كذلك، تقترح زقاد إدراج برامج أو مقاييس للتربية الأسرية في المدارس، خصوصاً في المرحلة الثانوية وفي الجامعات، لتثقيف الشبان والشابات قبل وصولهم إلى مرحلة الزواج، فهذا "يكون بمنزلة التأهيل الأسري الممنهج".
وتدعو الاختصاصية الاجتماعية الجزائرية، أيضاً، إلى جعل شهادة التأهيل الزوجي إجبارية ضمن الوثائق المطلوبة لقبول طلب عقد القران، مع استحداث الوزارة الوصية التي تعنى بشؤون الأسرة منصباً خاصاً بالمستشار الأسري، أو مستشار العلاقات الزوجية، بالتنسيق مع وزارة العدل، للحيلولة دون تفكك الأسرة، من خلال جهد منسق تنظمه الجهات الحكومية المسؤولة.