النهار

إغلاق أكبر حقول نفط ليبيا يفاقم خسائر اقتصادها المتعثّر
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار العربي
يُهدد إغلاق أحد أكبر حقول ليبيا النفطية بتفاقم أزمة اقتصاد بلد منقسم يعتمد على تصدير المحروقات كمصدر رئيسي للموارد.
إغلاق أكبر حقول نفط ليبيا يفاقم خسائر اقتصادها المتعثّر
حقل الشرارة
A+   A-
يُهدد إغلاق أحد أكبر حقول ليبيا النفطية بتفاقم أزمة اقتصاد بلد منقسم يعتمد على تصدير المحروقات كمصدر رئيسي للموارد.

وبينما تباينت التعليقات الرسمية حول أسباب منع إنتاج حقل الشرارة في منطقة فزان جنوب ليبيا، ما بين تأكيد سلطة شرق ليبيا وسكان محليين أن الخطوة جاءت احتجاجاً على استمرار تهميش المنطقة وعدم حصولها على حصة معتبرة من العوائد النفطية التي تُسيطر عليها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في الغرب، اتهمت الأخيرة خصومها في شرق ليبيا بـ"الابتزاز السياسي". 
 
عجز بالمليارات
وجاء الحادث عشية إعلان الموسسة الليبية للنفط وصول معدلات الإنتاج اليومي من النفط والمكثفات والغاز الطبيعي إلى أكثر من مليون ونصف مليون برميل، من دون أن ينعكس هذا الاستقرار في الإنتاج على المؤشرات الاقتصادية المتراجعة، إذ كشف المصرف المركزي قبل أيام قليلة، عن عجز قدره 9 مليارات دولار في ميزان النقد الأجنبي خلال النصف الأول من العام الجاري. وتواكب ذلك مع استمرار انخفاض قيمة العملة المحلية في سوق الصرف الموازية، حيث سجل سعر صرف الدولار 7.12 دينارات.

وكانت المؤسسة الوطنية للنفط قد أعلنت، الأحد الماضي، "بدء الخفض الجزئي للإنتاج من حقل الشرارة بسبب ظروف القوة القاهرة الناجمة عن اعتصامات تجمع حراك فزان". ودعت في بيان الأطراف المعنية إلى "ضرورة مراعاة المصلحة الوطنية، ودعم جهود المؤسسة الرامية إلى استقرار الإنتاج وزيادته".

وبالتزامن أعلنت أعلنت شركة "أكاكوس" للعمليات النفطية، "وقف عملياتها المتعلقة بإنتاج النفط الخام تدريجياً، وما يترتب على ذلك من توقف إمدادات النفط الخام من حقل الشرارة إلى ميناء مدينة الزاوية".

وأرجعت الشركة في بيان وقف عملياتها إلى كونه "امتثالاً لمطالبات أهالي الجنوب مدعومة بما يسمى حراك فزان، نتيجة التأخر في تنفيذ مطالبهم، وعدم تنفيذ بعض المشاريع التنموية المتعلقة بالبنية التحتية، بما في ذلك المسؤولية المجتمعية للشركة وتقليل الآثار السلبية الناجمة عن عمليات التشغيل والإنتاج المتعلقة بخفض الانبعاثات".

وحقل الشرارة الذي اكتُشف عام 1980، مشروع مشترك يجمع شركات: النفط الوطنية الليبية و"توتال" الفرنسية و"ريبسول" الإسبانية و"أو إم" النمساوية، و"إكوينور" النرويجية. ويقع في صحراء مرزق جنوب غربي البلاد، وهو يمثل نحو 40% من إنتاج النفط في البلاد، وفق حكومة الوحدة الوطنية، ما يضعه على رأس أكبر خمسة حقول ليبية إنتاجاً. ولا يضاهيه في الأهمية سوى حقل الفيل الذي يقع في حوض مرزق أيضاً، ما يعني أن معظم الحصة اليومية لليبيا من الخام تخرج من الجنوب الليبي، مع ذلك فإن سكانه يعانون شحاً في المحروقات وانقطاعاً شبه مستمر في الكهرباء.
 
طموحات مهددة
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط قد أعلنت، بداية العام الجاري، خططاً لتعزيز الإنتاج إلى 1.5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025، وإلى مليوني برميل بحلول عام 2027، غير أن تكرار التهديدات بإغلاق الحقول النفطية، تضع تلك الطموحات على المحك.

وكان آخر إغلاق لحقل الشرارة في كانون الثاني (يناير) الماضي، إثر تظاهرات احتجاجية طالبت الحكومة بتنفيذ مشاريع خدمية واستثمارية في الجنوب الليبي وتوفير فرص عمل.

الخبير الليبي في قطاع النفط محمد الشحات أوضح لـ"النهار العربي" أن النفط المستخرج من حقل الشرارة يذهب إلى مصفاة مدينة الزاوية (شمال غربي ليبيا) لتكريره وتزويد السوق المحلي بالمحروقات، وكذلك هو مصدر رئيسي لإمدادات الطاقة إلى محطة كهرباء مدينة أوباري (جنوب ليبيا). وبالتالي سيكون هناك تأثير على صعيدي توفير المحروقات في السوق وكذلك انتظام الكهرباء، معتبراً أن إعلان مؤسسة النفط القوة القاهرة جزئياً يعني وقف تصدير حصة الحقل إلى الخارج لحين حل الإشكالية، مع محاولة عدم تأثير هذا الحادث على توفير الطاقة في السوق المحلي. ولفت إلى أنه في حال استمرار هذا الإغلاق ستكون له تداعياته الدولية خصوصاً، وأن نوع الخام المنتج من الحقل تُعد الأفضل في منطقة البحر المتوسط.

وأشار الأكاديمي والباحث الليبي خالد الشريف إلى غموض يكتنف أسباب الإغلاق، معتبراً أنه "كان على السلطات المعنية الخروج ببيان إلى الشعب الليبي لتوضيح الأمر ومتى تتم إعادة الإنتاج". وأوضح أن حقل الشرارة "يمثل أكثر من ثلث إنتاج ليبيا النفطي وهي تحصل على حصة قوامها 88 في المئة من إنتاج الحقل، فيما 22 في المئة تذهب إلى الشركاء الأجانب، وهذا يعني أن الشعب الليبي الذي يُعاني نقصاً في السيولة ومعدلات تضخم قياسية، هو المتضرر من هذا الإغلاق"، متوقعاً "استمرار هبوط أسعار صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية في ظل هذا الوضع الكارثي. فليبيا خسرت نحو مئة مليار دولار بسبب تكرار إغلاق الحقول النفطية منذ عام 2011". 

وشدد الشريف لـ"النهار العربي" على ضرورة تدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية للدفاع عن الحقول النفطية ومنع أي تحركات لإغلاقها، مشيرة إلى أن هناك عقوبات مشددة تصل إلى حد الإعدام بحق من يُدان بجرائم تتعلق بالعبث بأموال ليبيا وثروتها. وأضاف: "الحكومتان المتصارعتان تعملان لمصالح شخصية وللحفاظ على مقاعدهما من دون النظر إلى مصالح ليبيا وشعبها". 

الخبير الاقتصادي خالد الكاديكي قال إنه "منذ أحداث شباط (فبراير) 2011 والنفط يُستخدم في المناكفات السياسية بين الأطراف كافة"، مشيراً في حديث إلى "النهار العربي" إلى أن "حقول النفط تخضع لسيطرة المؤسسة الوطنية للنفط، ومن أدوارها حماية تلك المنشآت من أي اعتداءات وكذلك العمل على ترسيخ علاقات جيدة مع سكان المدن النفطية، حتى يشعروا بأن جزءاً من الثورة يصل إليهم بطريقة أو بأخرى، لكن الذي يحدث هو عكس ذلك، فمدن الجنوب الغنية بالنفط تعاني ولطالما طالب سكانها الحكومات بالنظر إلى حاجتهم المعيشية. وحتى حرس المنشآت النفطية في غرب ليبيا وشرقها أضربوا مرات عدة وأوقفوا تلك المنشآت عن العمل". 

وطالب الكاديكي بـ"وضع آلية شفافة لصرف أموال تصدير النفط والتي تذهب مباشرة إلى مصرف ليبيا المركزي، وليست لدينا إحصاءات واضحة حول حجم التصدير النفطي منذ عام 2011، ويجب الكشف عن أين ذهبت تلك الأموال؟".
  
 

اقرأ في النهار Premium