كشف السفير الأميركي في تونس جوي هود قبل أيام أن بلاده تعتزم تكوين 35 ألف عنصر حرس تونسي (درك) خلال الفترة المقبلة، في إطار برنامج تعاون متكامل في المجال الأمني بين البلدين انطلق عام 2011.
وبلغ حجم الدعم الأميركي لتونس منذ عام 2011 أكثر من مليار دولار، وفق الدبلوماسي الأميركي الذي أعلن تصميم بلاده على مواصلة مزيد دعم هذا التعاون والانتقال به إلى مرحلة جديدة.
وكان هود يتحدث على هامش مؤتمر صحافي عقدته سفارة الولايات المتحدة في تونس والإدارة العامة للحرس التونسي. ودفع الكشف عن حجم التعاون بين البلدين كثيرين إلى التساؤل عن الدوافع الحقيقية لهذا الدعم الأميركي الكبير لتونس في المجال الأمني، والأسباب الفعلية وراء الكشف عن تفاصيله في هذا التوقيت بالذات.
حضور لافت
ومنذ عام 2011، بعد إسقاط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، كان الحضور الأميركي في تونس لافتاً، ووقعت الولايات المتحدة اتفاقات أمنية عديدة مع البلد الواقع في منطقة جغرافية ساخنة تعيش على وقع تقلبات متسارعة وتشهد منافسة قوية مع أبرز القوى الدولية.
وطيلة نحو عشر سنوات شهدت العلاقات بين تونس وأميركا زخماً متواصلاً ظهر من خلال مواقف واشنطن الداعمة التي كانت تنظر بعين الرضا إلى حكم الإسلاميين في تونس وتحالفهم الظاهر مع العلمانيين.
مناكفات ملف الحريات
لكن أحداث 25 تموز (يوليو) 2021 نقلت هذه العلاقات إلى مرحلة الفتور وفق العديد من المراقبين، خصوصاً مع تكرار إعلان واشنطن مواقف منتقدة لوضع الحريات والديموقراطية في البلد، خصوصاً توقيف سياسيين وإعلاميين وحقوقيين، معبرة عن قلقها بسبب ذلك.
السفير الأميركي في تونس جوي هود مقدّماً أوراق اعتماده إلى الرئيس سعيد في شباط (فبراير) 2023.
في المقابل، رد الرئيس قيس سعيّد منتقداً هذه المواقف معتبراً أنها تدخّل في شؤون بلده الداخلية ومسّ بسيادته.
ويربط مراقبون بين هذا التطور في العلاقة بين البلدين وإماطة الولايات المتحدة اللثام عن تفاصيل المساعدات الأمنية التي قدمتها لتونس، مؤكدين وجود رغبة أميركية في استعادة زخم علاقاتها مع تونس من خلال الإعلان عن تعزيز الدعم الأمني لها.
غير أن المحلل السياسي والعميد السابق في الأمن التونسي خليفة الشيباني يرفض الحديث عن فتور في العلاقات بين تونس وواشنطن بسبب اختلاف في المواقف السياسية، ويقول إن هناك أطرافاً تعمل على الترويج لهذه المغالطات، مؤكداً أن التعاون بين البلدين في المجال الأمني يدخل في إطار العلاقات التقليدية الثنائية التي تجمع تونس بعديد من الشركاء الغربيين.
ويرى الشيباني في حديث إلى "النهار العربي" أن الكشف عن حجم هذا التعاون يجب ألا يُحمّل أكثر مما يحتمل، لافتاً إلى أن تونس حليف قوي لواشنطن وتربطها بها العديد من الاتفاقيات الأمنية، وتجري وحدات من الجيشين دائماً وبتواصل مناورات مشتركة، ومشدداً على أن هذا الدعم تعزز بعد 2011 بسبب التهديدات الإرهابية التي ظهرت في تلك الفترة.
قطع الطريق
لكن بعض القراءات الأخرى ترى أن وراء الكشف عن تفاصيل الدعم الأمني الأميركي لتونس في هذا التوقيت رسائل عديدة ترغب واشنطن في إرسالها.
ويربط هؤلاء بين هذه الخطوة وظهور توجه تونسي للتقارب مع المعسكر الشرقي، يشبهه عدد من المراقبين بعملية "تعديل البوصلة" بهدف كسر هيمنة المعسكر الغربي.
ويقول الباحث والكاتب السياسي نزار مقني إن التعاون بين تونس والولايات المتحدة قديم تاريخياً وغير مرتبط بظرفية معينة، لكنه عرف تطوراً مهماً بعد 2011، إذ مر إلى مرحلة الشراكة الاستثنائية التي ركزت على محاربة الإرهاب والتنسيق الاستخباري بين البلدين.
ويشير في حديث إلى "النهار العربي" إلى أن واشنطن منحت تونس بعد 2011 صفة حليف أساسي خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ولا يستبعد أن يكون وراء إعلان حجم الدعم الذي قدمته لتونس منذ أكثر من عقد رسالة إلى القيادة الحالية وإلى المعسكر الشرقي على حد سواء.
ويشرح أن واشنطن التي تراقب التقارب التونسي مع المعسكر الشرقي، ربما تسعى إلى قطع الطريق أمام توسع الحضور الصيني والروسي في تونس التي تعتبرها منطقة استراتيجية ومهمة لا ترغب في انحسار نفوذها فيها.
ويزيد أن تقارب تونس مع هذا المعسكر، وقد بات معلوماً للجميع بعد تبادل العديد من الزيارات العديدة على أعلى مستوى، ليس في مصلحة الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة.
ويقدر أن واشنطن ربما ترغب في إحراج القيادة الحالية في تونس من خلال بعث رسائل غير مباشرة تعبر فيها عن رفض هذا الاتجاه للرئيس سعيد.
يذكر أن الحضور العسكري الروسي والتوسع الاقتصادي الصيني في المنطقة باتا يهددان الحضور الأميركي في أفريقيا، بما في ذلك تونس، وهو ما يجعل بوابة الأمن، ربما، المدخل لتعزيز واشنطن علاقتها بالبلد.