فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيّد التونسيين ليل الأربعاء الماضي بقرار تغيير رئيس الحكومة، وكلّف وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري رئاسة الحكومة خلفاً لأحمد الحشاني، الذي كان سمّاه في هذا المنصب قبل عام تقريباً.
وتعيين رئيس الحكومة وأعضائها بات من صلاحيات الرئيس منذ تعديل الدستور قبل عامين. وكان منذ عام 2011 يخضع للتصويت في مجلس النواب ثم مصادقة رئيس الجمهورية، ليعيد الدستور الجديد عام 2022 هذه الصلاحية الى الرئيس.
وطرح تكليف المدوري العديد من التساؤلات عن الأسباب والدلالات، خصوصاً أنه يأتي قبل نحو شهرين من اجراء الانتخابات الرئاسية.
والمدوري، الذي سبق له أن شغل منذ شهر أيار (مايو) الماضي منصب وزير الشؤون الاجتماعية، صاحب مسيرة مهنية غنية، تقلّد خلالها مناصب عديدة في الإدارة التونسية.
خيار التكنوقراط
ولا ينتمي رئيس الحكومة الجديد الى أي حزب سياسي، وهذه هي المرّة الثالثة التي يعوّل فيها سعيّد على خدمات شخصية غير مسيّسة لشغل هذا المنصب. وسبق له أن عيّن كلاً من نجلاء بودن وأحمد الحشاني في المنصب ذاته.
وصار التكنوقراط خيار سعيّد الأول في كل التعيينات التي أعلنها خلال العامين الأخيرين.
ولم يعلن بيان الرئاسة التونسية أسباب إقالة الحشاني وتكليف المدوري خلفاً له. غير أن العديد من الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، وبعضهم من الفاعلين السياسيين، ربطوا بين قرار الإقالة وآخر نشاط للحشاني المتمثل في كلمة بثتها صفحة رئاسة الحكومة على موقع "فايسبوك"، عدّد فيها إنجازات حكومته، ويبدو أن هذه التصريحات قد تكون سرّعت بقرار إنهاء مهمّاته.
لكن الحشاني في الحقيقة كان محل انتقادات واسعة منذ تولّيه هذا المنصب في آب (أغسطس) 2023.
وكان أداء الحكومة محور انتقاد الرئيس سعيّد، الذي عبّر في أكثر من مرّة عن عدم رضاه عن أداء العديد من الوزارات والإدارات، وانتقد طريقة التعاطي مع ملفات عديدة، وقرّر بناءً على ذلك إقالة العديد من كبار المسؤولين وفي مقدمتهم وزراء.
وعرفت تونس أزمات اقتصادية واجتماعية بالجملة، انعكست على معيشة التونسيين الذي يشتكون من غلاء المعيشة مقابل سوء الخدمات ونقص المواد الأساسية وضعف الرواتب.
وفور تكليفه تشكيل الحكومة، تعهّد الحشاني بتحقيق نسبة نمو في حدود 3%، لكن نسبة النمو المسجّلة حالياً لم تتجاوز 0.5%.
سدّ الشواغر وتعديلات عاجلة
وفي أول لقاء جمعه مساء الخميس مع المدوري، تطرّق سعيّد الى مسألة سدّ الشواغر في عدد من الوزارات، والتعديلات التي يتجه لإدخالها على تركيبة الحكومة.
وأكّد ضرورة التناغم والانسجام في العمل الحكومي، مذكّراً في هذا الإطار بأن وظيفة الحكومة تتمثل في مساعدة رئيس الجمهورية في ممارسة الوظيفة التنفيذية.
وشدّد مجدداً على الدور الاجتماعي للدولة المعوّل عليه لتوفير المرافق العمومية للمواطنين، كالصحة والتعليم والنقل وغيرها، مذكّراً بأن ما أصاب هذه المرافق من خراب نتيجة اختيارات فُرضت من الخارج ونتيجة للفساد الذي استشرى وأدّى إلى هذا الوضع الذي لا بدّ من وضع خطط لتجاوزه، مع ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من معاناة المواطنين.
حسابات انتخابية؟
ويقول المحلل السياسي محمد العبيدي إن تعيين رئيس حكومة جديد قبل شهرين من الانتخابات، ربما هو محاولة من الرئيس سعيّد الذي ترشح لعهدة ثانية، للتملّص من هذا الفشل وتحميل الحشاني مسؤولية الإخفاق في إيجاد حلول للملفات الحارقة.
ويضيف: "تبدو إقالة الحشاني خطوة تعكس عدم رضا الرئيس سعيّد عن أدائه، وهي حقيقة يعلمها الجميع"، ويتابع: "إقالة الوزراء بسبب الفشل في التعاطي مع بعض الملفات تكرّرت في مناسبات عديدة طيلة العامين الأخيرين، ما يعني أن الرئيس سعيّد يحمّلهم مباشرة مسؤولية الإخفاق".
ويرى العبيدي في حديث إلى "النهار العربي"، أن هذه الخطوة تدخل في إطار الحملة الانتخابية لسعيّد، الذي يعي جيداً أن هناك شعوراً بالاستياء من عموم التونسيين من عدم تحسّن أوضاعهم المعيشية.
و"من الطبيعي أن يحاول كل رئيس يتقدّم لاستحقاق انتخابي جديد إعلان قرارات جديدة، تُشعر الناخب بحرصه على التغيير، وتعطيه أملاً بأن ذلك سيحدث خلال العهدة الانتخابية الموالية، والأكيد أن التعويل على اسم يوجد اجماع على كفاءته، يبعث بصيص أمل بأن ذلك قد يتحقق".
وتقدّم سعيّد بداية الأسبوع بملف ترشحه رسمياً لانتخابات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ويُعتبر وفق أغلب المراقبين أبرز المرشحين للفوز بهذا الاستحقاق.
إجراء عادي
غير أن البعض من أنصار سعيّد ومن بينهم رئيس "حزب مسار 25 جويليه" محمود بن مبروك، يعتبرون أن هذا التغيير لا علاقة له بالانتخابات، وأنه قرار عادي يدخل في إطار الحرص على نجاح تسيير شؤون الدولة.
ويقول بن مبروك لـ"النهار العربي" إن تعيين رئيس حكومة جديد لا يجب ربطه بالانتخابات التي لم تعد تفصلنا عنها سوى بضعة أسابيع، مضيفاً: "هو فقط عملية ضخ دماء جديدة في الحكومة، بالتعويل على تكنوقراط يمتلك الخبرة والكفاءة والإلمام بشؤون تسيير الدولة".
ويرى أن تغيير رئيس الحكومة هو نتيجة حتمية لفشل الحشاني في إدارة العديد من الملفات، باعتباره المسؤول الأول عن عملها.
ويتابع: "أمضى أحمد الحشاني سنة في رئاسة الحكومة، لكن أداءه كان ضعيفاً ولم يكن متناغماً مع ما يطلبه الرئيس، في حين أن من أبرز أدواره تأطير وزرائه".
ويعتبر بن مبروك أن التعديل الأخير يفنّد ما يروّجه البعض عن تمسك سعيّد بقرارته، مؤكّداً أنه أثبت أنه يتراجع عن قرارات اتخذها في حال ثبات أن المسؤول الذي عيّنه لم يقم بدوره كما يجب.
وعن أسباب اختيار المدوري، يقول بن مبروك إن "الرجل له خبرة كبيرة في التعاطي مع الملفات الاجتماعية، وهذا ما تحتاجه تونس في الفترة المقبلة، لذلك اختاره الرئيس سعيد".