تنشغل الطبقة السياسية في الجزائر بملف "الفساد الانتخابي" المتعلق بقضية شراء 3 مرشحين للرئاسة توقيعات الترشح.
وقرر القضاء الجزائري وضع كل من سيدة الأعمال المعروفة رئيسة تكتل لرجال الأعمال سعيدة نغزة ورئيس حزب التحالف الجمهوري الوزير السبق بلقاسم ساحلي وعبد الحكيم حمادي تحت نظام الرقابة القضائية، على ذمة التحقيق بتهمة منح عطايا مادية مقابل الحصول على توقيعات بهدف الترشح للرئاسة.
وكانت السلطة المستقلة للانتخابات قد رفضت ملفاتهم لعدم استيفائهم عدد التوقيعات القانونية اللازمة، ثم أكدت المحكمة الدستورية القرار.
القضية وإن كانت متعلقة بفساد سياسي، إلا أنها عدت الأولى من نوعها في الجزائر، بخاصة أنها ارتبطت بموعد انتخابي تولي له السلطة في البلاد أهمية قصوى للحفاظ على عامل الاستقرار الذي تعيشه منذ الخروج من عنق الحراك الشعبي 2019، وانتخاب الرئيس الحالي عبد المجيد تبون.
الانحراف...
وصف الخبير والباحث المتخصص في الاقتصاد والجيوبوليتيك سيف الدين قداش قضية شراء التوقيعات للترشح للرئاسيات بالانحراف، قائلاً لـ"النهار العربي" إن "القضية تشكل انحرافاً في طريقة الحصول على التزكية الانتخابية"، مضيفاً أن قواعد العمل السياسي ترتكز على تشكيل حزب سياسي وبرنامج واستراتيجية ليستطيع أي شخص المرور إلى العملية الانتخابية بطريقة ديناميكية فاعلة "مثلما حصل مع حركة مجتمع السلم التي لديها أكثر من 30 سنة في النضال السياسي وأيضاً جبهة القوى الاشتراكية أقدم حزب في الجزائر".
وعن الشخصيات الجماهيرية التي وصلت إلى هذا المستوى من الشعبية، ضرب قداش مثالاً الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون، المرشح لولاية ثانية، لافتاً إلى أنه "معروف عنه تدرجه في المسؤوليات، إذ شغل مناصب عدة، من رئيس دائرة ثم والٍ ثم وزير اتصال فوزير للسكن ثم عاد إلى وزارة السكن وتولى حقيبة رئيس الوزراء ثم ترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وطبعاً لديه البعد الجماهيري ومعروف من الدوائر والأجهزة والمصالح العمومية التي تدرك كفاءته وقدرته على إدارة البلاد".
ولأن القضية هي قضية فساد سياسي بحت، أكد قداش أن "هذا المشهد يتعلق أساساً بالسعي غير الأخلاقي وغير الشرعي وغير الشعبي ولا الديموقراطي"، معللاً ذلك بوجود آليات وتراكمات ديموقراطية وعمل سياسي للحصول على تزكية الشعب للوصول إلى العملية الانتخابية، وقال: "لاحظنا أن الأجهزة الأمنية ومؤسسة العدالة والسلطة المستقلة للانتخابات، وكذا المحكمة الدستورية، اتخذت كل الإجراءات القانونية لمواجهة هذه الانحرافات، وذلك في إطار أخلقة الحياة السياسية التي بادر بها الرئيس تبون فور وصوله إلى السلطة عام 2019، من خلال وضع القواعد والنظم اللازمة ومحاربة الفساد السياسي وشراء الذمم، وبالتالي فإن السلطات اليوم تقف بالمرصاد لكل الانحرافات السابقة وتعطي رسالة للرأي العام وللراغبين في خوض المسار السياسي بضرورة احترام القواعد والمبادئ والقيم المتعلقة بالتجربة الديموقراطية وبطريقة تسيير العلاقة بين الوصول إلى السلطة وآلياتها".
رئاسة الجزائر مسؤولية عظمى
ويقول متابعون إن الشخصيات الثلاث المتورطة في قضية شراء توقيعات الترشح للرئاسيات، كان يمكنها التريث ووضع الحسابات السياسية الرصينة والشرعية واللازمة حتى قبل التفكير في خوض مسار الوصول إلى كرسي الرئاسة، بخاصة للشخصيات غير المتكئة على قواعد سياسية شعبية.
وفي هذا الصدد يقول قداش إن عملية الترشح فردياً ومن دون قواعد سياسية ومن دون أي أيديولوجية ولا مناضلين هي "عملية انتحارية"، مشيراً إلى أن "الراغب في الحصول على صفة مرشح للانتخابات الرئاسية والقافز على قواعد العملية السياسية والديموقراطية والذي يعتقد أنه من خلال هيئة اقتصادية أو من خلال وظيفة أو مجموعة أحزاب تزكيه أو غيرها، يحصل على الحق في أن يقفز على الأدبيات المتعلقة بالقواعد والتجذر الديموقراطي وغيرها فهو الجنون بعينه، وبالتالي فإن هؤلاء لم يكن لزاماً عليهم التورط في فساد هو في الأصل تراكم لمفاسد الحقبة الماضية".
وعن تداعيات القضية على المواعيد الانتخابية المقبلة، بخاصة رئاسيات أيلول (سبتمبر)، قال قداش إن وضع المتورطين تحت الرقابة القضائية أو سجنهم، هو "عبرة لكل من يعتبر، ودرس لهم ولكل من تسوّل له نفسه التورط في الفساد السياسي"، مشيراً إلى إمكانية "استغلال القضية لمراجعة العملية الانتخابية وإعادتها إلى أحضان الديموقراطية بعيداً عن الديماغوجية وعن العبث، وبعيداً أيضاً عن محاولة التسلق، وربما حرق المراحل السياسية من دون المرور على مجموعة من القواعد والنظم"، بخاصة أن "منصب رئيس الجمهورية هو أعلى منصب في البلاد ويحتاج إلى كاريزما ودراية كبيرة بالحياة السياسية وإلى كثير من الانضباط المتعلق بالقيادة العليا للمصالح الاستراتيجية للشعب وللأمة، وبالتالي فإنه ليس منصباً تقليدياً أو عبثياً".
...في انتظار إثبات التهم
على صعيد آخر، يؤكد المحلل السياسي عبد الحكيم بوغرارة، أن كل الوقائع المتعلقة بقضية شراء التوقيعات للترشح للرئاسيات وكل تلك التحقيقات والتهم لا تعد محاكمة، فالدستور الجزائري يقر بالعمل بقرينة البراءة، مضيفاً أن عدم صدور الأحكام النهائية في القضية يستدعي عدم الحكم على الأشخاص الموقوفين احتراماً لقوانين العدالة الجزائرية ولمختلف التشريعات الداعية إلى ضرورة عدم الحكم على الأشخاص قبل القاضي، لافتاً إلى أن ملف الفساد السياسي الذي فتحته المصالح القضائية أثار موجة استياء كبيرة في انتظار أن تثبت العدالة التهم أو تنفيها.
وأشار بوغرارة في اتصال مع "النهار العربي"، إلى أن شراء توقيعات الترشح لانتخابات الرئاسة أمر غير مقبول البتة، وإذا ثبتت الوقائع فإن ذلك يعد تصرفاً غير مسؤول من الشخصيات المتورطة.
وأكد أن الأمر فيه إساءة كبيرة للطبقة السياسية في الجزائر وللمتورطين في حد ذاتهم ولصورة الجزائر عامة، مستغرباً سلوكيات غير أخلاقية ومنافية للقوانين للوصول إلى رئاسة البلاد، متسائلاً بنوع من الاستغراب "تخيل معي لو انفجر الملف بعدما تولت إحدى الشخصيات المتورطة كرسي الحكم!".