للمرة الأولى منذ "ثورة" عام 2011 سيتنافس ثلاثة مرشحين فقط على منصب رئيس الجمهورية في تونس.
ومساء السبت كشفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن القائمة الأولية للمرشحين للرئاسة المنتظر إجراؤها بداية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وأعلنت الهيئة قبول ثلاثة ترشحات من مجموع 17 ترشحاً، موضحة أن 14 ملف ترشح رُفضت لعدم استيفائها الشروط القانونية.
وقال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر إن القائمة تضم كلاً من قيس سعيّد وزهير المغزاوي وعياشي الزمال، لكن هذه القائمة قابلة للتغيير ولا تعتبر نهائيةً إلا بعد إعلان المحكمة الإدارية قراراتها في الطعون التي قد تقدم إليها، والمحكمة الإدارية هي الجهة القانونية المخولة إنصاف من تُرفض ملفاتهم.
من هم المرشحون؟
قيس سعيّد الرئيس الحالي هو أستاذ جامعي في اختصاص القانون الدستوري فاز بانتخابات 2019 ويعتبر الأوفر حظاً للفوز بالانتخابات الحالية، وزهير المغزاوي، الأمين العام لـ"حركة الشعب" (حزب قومي) وكان من بين المساندين لسعيد طيلة السنوات الخمس الأخيرة قبل أن يعود لإعلان المنافسة على هذه الانتخابات، وعياشي الزمال هو نائب سابق في برلمان 2019 عن حزب "تحيا تونس" الذي غادره ليؤسس حركة "عازمون".
وفي أول ردود الفعل على هذه القائمة أكد المغزاوي في فيديو نشره قبل ساعات على ''فايسبوك" استعداده للتناظر مع أي منافس بقوّة الحجة والبرهان والبرامج والتصورات المبنية على مقاربات علمية، معتبراً أن السباق الرئاسي "فرصة حقيقية لتغيير البلاد نحو الأفضل والانتقال إلى مرحلة تحقيق الأهداف على أرض الواقع"، مضيفاً: "نحن اليوم أمام مسؤولية تاريخية للحفاظ على السلم الأهلي، وليكون التنافس نزيهاً وأخلاقياً على قاعدة صراع الأفكار والبرامج والتصورات".
وهذا أقل عدد مرشحين منذ 2011 التي أطاحت نظام حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي وسمحت بإجراء انتخابات ديموقراطية تعددية.
وفي سنة 2014 تنافس على الرئاسة 27 مرشحاً، وفي سنة 2019 بلغ عدد المرشحين 26.
ولم يكن عدد الترشحات للانتخابات الرئاسية الحالية مفاجئاً بالنسبة إلى كثيرين، وخصوصاً بالنسبة إلى المعارضة التي تتحدث عن مناخ انتخابي متوتر وتضييقات على كل الراغبين الجديين في الترشح.
وانتقد عديدون الشروط التي وضعت للترشح للانتخابات الحالية واعتبروا أنها حرمت كثيرين من تقديم ملفات مستكملة.
وحددت الهيئة معايير صارمة لقبول الترشحات لاقت انتقادات واسعة، أبرزها ضرورة الحصول على تزكيات (توقيعات) من عشرة نواب في البرلمان أو 40 نائباً محلياً منتخباً، أو 10 آلاف ناخب على أن تكون موزعة على 10 دوائر انتخابية بمعدل 500 تزكية على الأقل عن كل دائرة وهو أمر يصعب تحقيقه، وفق أغلب المراقبين.
كما تشترط الهيئة أن يتضمن ملف الترشح "البطاقة عدد 3" وهي الوثيقة التي تثبت نقاوة سجل المرشح من السوابق العدلية وتمنحها وزارة الداخلية.
وقال عدد من المرشحين المحتملين إنهم لم يتمكنوا من الحصول على "البطاقة عدد 3" لاستكمال ملفات ترشحهم "بعد تعمد وزارة الداخلية عدم مدهم بها"، وفق تعبيرهم، لكن هيئة الانتخابات نفت ذلك السبت،
وأكدت أن هذه الوثيقة لم تكن السبب الوحيد لعدم قبول كل الملفات التي رُفضت.
وفي تصريح سابق لـ"النهار العربي"، وصف رئيس "ائتلاف صمود" حسام الحامي هذه الشروط بـ"التعجيزية"، مؤكداً أنها كانت بمثابة
"الانتخابات قبل الانتخابات" وأنها حرمت عدداً كبيراً من خوض السباق الانتخابي.
لكن المحللة السياسية أحلام العبدلي اعتبرت في حديث لـ"النهار العربي"، أن المعايير الصارمة التي وضعتها هيئة الانتخابات وضعت حداً للمشهد الفولكلوري الذي عاشته تونس مع كل انتخابات رئاسية طيلة العشرية الأخيرة.
ورأت أن هذه المعايير أغلقت الباب أمام استسهال الترشح للانتخابات، فـ"في السنوات الأخيرة سمح كل من يشاء لنفسه بتقديم ترشحه لمنصب سيادي ومهم، ما أفقد هذه الانتخابات قيمتها ورمزيتها"، على حد تعبيرها.
وقالت إن ضعف عدد المرشحين يعود إلى ضعف الأحزاب السياسية التي لم تعد قادرة على تقديم مرشحين يستطيعون نيل ثقة الناخبين، ما حال دون قدرة كثيرين على تجميع العدد اللازم من التزكيات.
مناخ متوتر
وتجرى هذه الانتخابات وسط أزمة سياسية متواصلة منذ إقرار الرئيس سعيد التدابير الاستثنائية في 25 تموز (يوليو) 2021 التي حل بمقتضاها البرلمان السابق وصاغ دستوراً جديداً ثم أجرى انتخابات تشريعية. ومذاك خاض سعيد معارك على جبهات عديدة، وقال إنه يرغب في وضع حد لحالة الفوضى التي سادت في البلد على امتداد أكثر من 10 سنوات، لكن المعارضة اتهمته بمحاولة الانفراد بالحكم.
ووصف الحامي المناخ الانتخابي الحالي بـ"المتوتر"، موضحاً أنه "سيحول دون إجراء انتخابات تعددية قائمة على التنافس بين المرشحين"، ومشيراً إلى أن "ملاحقة المعارضين، سواء أكانوا سياسيين أم إعلاميين أم نقابيين، وسجنهم، خلقا مناخاً يسوده الخوف".
ويقبع عدد من المعارضين في السجن بتهم مختلفة، بعضها على صلة بقضايا أمن قومي وبعضها متصل بارتكاب جرائم انتخابية كتدليس تزكيات أو الحصول على أموال مشبوهة خلال الانتخابات الماضية.
وكان بعض من أعربوا عن نيتهم الترشح قد أعلنوا انسحابهم من السباق، وكشف عدد منهم عن وجود قضايا وأحكام ضده.
وقبل أيام أصدر القضاء أحكاماً بالسجن ضد عدد من المرشحين المحتملين بتهم تتعلق بتدليس التزكيات مع حرمانهم من الترشح للانتخابات مدى الحياة.
وتتهم المعارضة السلطات باستغلال القضاء تمهيداً لإعادة انتخاب الرئيس سعيد بالضغط على المنافسين الجديين وإقصائهم، لكن سعيد ينفي ذلك، مؤكداً أن القضاء مستقل وأن كل الأحكام والقضايا التي ينظر فيها تدخل في إطار تطبيق القانون على الجميع من دون استثناء، متهماً بدوره أطرافاً لها أجندات معلومة بتشويهه والوقوف ضد مسار الإصلاح ومكافحة الفساد الذي أطلقه.
والاثنين الماضي جدد سعيد عندما كان يقدّم ملف ترشحه للانتخابات رفض هذه الاتهامات قائلاً: "لم أضيِّق على أحد ويطبق القانون على الجميع على قدم المساواة وأنا هنا مواطن لأقدم الترشح".
وتقول العبدلي إن الانتخابات الحالية هي اختبار للمعارضة أكثر منها اختباراً لسعيد، موضحة أن الناخب التونسي سيحسم موقفه من كل ما حدث طيلة السنوات الأخيرة من خلال التصويت لمن يعتبره الخيار الأفضل.