تحدو الحكومة المغربية آمال كبيرة في أن يسهم المغاربة المقيمون خارج البلاد في انجاح خططها لتنمية صناعة السياحة، باعتبارهم محركاً أساسياً للقطاع على المدى المنظور، بخاصة بعدما أظهرت المؤشرات أن المغترببن مثلوا في العام الماضي أكثر من نصف الوافدين إلى البلاد.
وتولي الحكومة المغربية اهتماماً بدعم سياحة المغتربين في بلدهم وتطويرها، عبر السعي الى رفع نسبة مساهمة المواطنين في الإشغال الفندقي، وجعل السفر متاحاً للجميع مع توفير عروض ومنتجات ملائمة لعاداتهم وإمكاناتهم المادية ونمط استهلاكهم أثناء الرحلات، إذ لم يعُد رهان المسؤولين على التحويلات التي يضخونها في جيب الدولة لدعم رصيد النقد الأجنبي وتوفير إيرادات لأسرهم القاطنة في البلد، بل صار الرهان أكثر على مساهمتهم في دعم النشاط السياحي، لاسيّما في العُطل والأعياد الدينية، وفصل الصيف.
ووفق بيانات وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، يُمثل مغاربة الخارج حوالى 45.8% من مجموع 7.4 ملايين سائح قدموا إلى المملكة في النصف الأول من العام الجاري، إذ يساهم هؤلاء السياح في دعم إيرادات النشاط التي بلغت بحسب بيانات التقرير الشهري الصادر عن مكتب الصرف في الأول من آب (أغسطس) الجاري، حوالى 5 مليارات دولار في النصف الأول من 2024، وكانت مساهمة المغتربين حاسمة في بلوغ رقم 14.5 مليون سائح في العام الماضي، إذ مثلوا نحو 51% من مجمل السياح، بارتفاع وصلت نسبته إلى 27% مقارنة بعام 2022، بحسب بيانات وزارة السياحة.
وتُرجمت هذه المعطيات، على شاكلة دعم رصيد المغرب من النقد الأجنبي في 2023، إذ زادت إيرادات السياحة بنسبة 11.7% مقارنة بالعام السابق له، لتصل إلى حوالى 10.5 مليارات دولار، بحسب بيانات مكتب الصرف المغربي (حكومي) الذي يتوقع أن تواصل إيرادات السياح الأجانب والمغتربين ديناميكية ارتفاعها حتى نهاية العام الجاري، لتصل إلى حوالى 11 مليار دولار، وهو ما سيسهم من جهة ثانية في دعم رصيد المملكة من النقد الأجنبي، وتحقيق حوالى 38.2 مليار دولار، أي ما يناهز 5 أشهر ونصف شهر من واردات السلع والخدمات.
ويقدَّر عدد المغتربين المغاربة بحوالى 5.8 ملايين شخص، أي حوالى 16% من سكان المملكة، وفقاً للأرقام الرسمية، إذ يقيم 85% منهم في أوروبا، خصوصاً في فرنسا وهولندا وألمانيا وبلجيكا وإيطاليا، فيما يتوقع المغرب استقبال حوالى 3.2 ملايين من المغتربين في الصيف الجاري، إذ دأبت السلطات في هذه الفترة من العام على تسهيل توفير وسائل النقل الجوية والبحرية وإعداد فضاءات، خصوصاً في المطارات والموانئ، بهدف تسهيل عبور المغتربين.
وفي هذا الإطار، أكّد الخبير السياحي الزبير بوحوت، إسهام الجالية المغربية المقيمة في الخارج في ترويج المنتج السياحي للمغرب، وارتفاع وتيرة حجم الاستهلاك الوطني في مجموعة من الخدمات السياحية، مشيرا إلى أن "فئة معينة من الجالية لا تذهب إلى الفنادق لأنها تملك منازلها الخاصة، غير أنها تنعش الاقتصاد الوطني من خلال استئجار السيارات والإقبال على الخدمات السياحية".
وتوقف بوحوت في حديثه الى "النهار العربي" عند الأسعار المشجعة التي اعتمدها المغرب في النقل الجوي والبحري لتشجيع مغاربة الخارج، ما جعل شركة الطيران تحقق أرقاما قياسية في عدد مبيعات التذاكر وتدخل في مفاوضات من أجل تعزيز الرحلات الجوية وإضافة وجهات جديدة، مورداً أن "المغرب يستقبل 6 ملايين من مغاربة المهجر كل سنة، وهذا الرقم ستكون له مكانة في الانتعاشة المحققة حالياً، بالإضافة إلى العروض المقدّمة لمغاربة المهجر التي مست النقل الجوي والبحري والنقل عبر سكك الحديد".
واعتبر بوحوت أن "الحملة التي قام به المكتب الوطني للسياحة روّجت لعدد من الوجهات المغربية"، مورداً أن "الالتفاتة الملكية، أعادت الاعتبار الى مغاربة العالم. كما أنه عندما ينتعش القطاع السياحي، فإن كل القطاعات الأخرى تشهد حركية كبيرة وتحقق أرباحاً مهمة".
ويُنتظر أن تكون مساهمة المغتربين حاسمة لبلوغ هدف استقطاب 17.5 مليون سائح بحلول عام 2026، بخاصة أنه مقبل على تنظيم تظاهرات رياضية ومؤتمرات دولية كبيرة، وهو ما من شأنه إتاحة 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في السياحة.
وخططت الحكومة، بهدف بلوغ تلك الأهداف، لتوفير موازنة قدرها 610 ملايين دولار في الأربعة أعوام المقبلة، مع مضاعفة سعة النقل الجوي، وتعزيز الترويج والتسويق، مع إيلاء اهتمام خاص بالرقمنة، وتنويع منتجات التنشيط الثقافية والترفيهية، مع تأهيل الفنادق، وإحداث قدرات إيوائية جديدة، حيث ينتظر رفع عدد الأسرّة في الفنادق من 300 ألف إلى 340 ألف سرير في 2026.