اختار رئيس الوزراء النيجيري علي محمد لمين زين ووزير دفاعه الفريق ساليفو موديلا توقيتاً بالغ الحساسية لزيارة غير معلن عنها مسبقاً إلى الجزائر، إذ تأتي في سياق متوتر تشهده منطقة الساحل الأفريقي أفضى إلى تصعيد أمني ملحوظ بين الجيش المالي المدعوم من مجموعة "فاغنر" الروسية والفصائل المسلحة الأزوادية قرب الحدود البرية المشتركة بين مالي وليبيا، إضافة إلى تحركات مقلقة للفصائل المسلحة في الشرق الليبي بقيادة خليفة حفتر نحو الجنوب الغربي.
وتُعدّ هذه الزيارة الثانية من نوعها لوفد نيجيري حكومي رفيع المستوى إلى الجزائر، بعدما تخطى البلدان تداعيات "أزمة الوساطة" في تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
وجاءت زيارة زين بعد أقل من أسبوع على استقباله في نيامي وفداً حكومياً جزائرياً رفيعاً بقيادة وزير الطاقة الجزائري محمد عرقبا، تم خلاله الاتفاق على إحياء أنشطة الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز من طرف شركة سوناطراك المملوكة للدولة الجزائرية في منطقة كفرا الملاصقة لرقعة "تفاسست" الواقعة شمالي النيجر، والقريبة من الحدود بين البلدين، إضافة إلى اتفاقات أخرى متعلقة بالتعاون في مجال الطاقة بين البلدين، وتنفيذ خط أنبوب الغاز العابر للصحراء.
تفاهمات أمنية
أدرج مراقبون هذه الزيارة في سياق تكثيف التنسيق الأمني على الحدود، في ظل تطورات أمنية متلاحقة في منطقة الساحل وعلى الحدود بين البلدين. كما تأخذ الزيارة بُعداً اقتصادياً الهدف منه تأمين بعض المشروعات الطموحة على غرار خط الغاز الأفريقي الرابط بين نيجيريا وأوروبا، مروراً بالنيجر والجزائر.
في هذا السياق، يعتقد الدكتور مخلوف وديع، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة قالمة، أنّ الزيارات المتعاقبة مُؤداها "تعزيز التنسيق المشترك بين الدولتين في مواجهة الأخطار الأمنية، سواء المتعلقة بالهجرة غير الشرعية أو تجارة الأسلحة والمخدرات أو الإرهاب العابر للحدود، فضلاً عن العمل المشترك في المجال الاقتصادي والذي يصب في مصلحة الدولتين ضمن المقاربة الجزائرية التي تعتمد على البعد التنموي في التعامل في منطقة الساحل، والذي يستوجب له تغطية أمنية وأبعاد عسكرية لمختلف المشاريع الاقتصادية".
ويضيف وديع لـ"النهار العربي": "هُنا أخص بالذكر عودة سوناطراك الجزائرية للعمل في النيجر، وما رافق ذلك من تحديات أمنية تستوجب عملاً أمنياً وعسكرياً مشتركاً بين البلدين".
تبادل صريح وبنّاء
من غير المستبعد أن يلجأ البلدان إلى تفعيل القرار الذي أقرته القيادة العليا لجيشي الجزائر والنيجر، والذي يقضي ببرمجة دوريات عسكرية مشتركة على كامل الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين لمواجهة التهديدات الأمنية، لا سيما أنّ التعديلات الدستورية التي اعتمدت في العام 2020 تُتيح للقوات العسكرية الجزائرية الخروج في مهمات خارج البلاد بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان، لتُكسر بذلك عقيدة عسكرية جزائرية كانت تمنع إرسال الجنود خارج حدود البلاد.
وتضمنت الكلمة التي ألقاها قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، خلال لقائه مودي وعدداً من القيادات العسكرية، إشارات واضحة إلى التعاون الأمني. وقال: "هذه المرحلة الصعبة تستدعي وضع رؤية استراتيجية، تقوم على أساس تعاون سياسي ودبلوماسي وعسكري وأمني واقتصادي منسق، يهدف إلى توفير الشروط الملائمة لإرساء استقرار مستدام"، مشدداً على أنّ زيارة الوفد العسكري النيجيري "دليل على إرادة الطرفين بتعزيز التنسيق الأمني والتعاون العسكري، الذي يتعيّن إدراجه في إطار ديناميكية متجددة على أساس تبادل صريح وبنّاء، من شأنه المساهمة في ترقية السلم والأمن في منطقتنا".
من جهته، أكد مودي توافق رؤى الطرفين في مجمل القضايا الأمنية التي تناولتها المحادثات الثنائية، وأبدى أمله في "تعزيز علاقات التعاون بين بلاده والجزائر والمبنية على التشاور والاحترام المتبادل".
حشد الدعم
في جانب آخر، يقول الدكتور محمد حليم ليمام، أستاذ محاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر الثالثة، لـ"النهار العربي"، إنّ لهذه الزيارة بعداً أوسع من الجانب الأمني "فالجزائر بحاجة ماسة لحشد المواقف لمصلحتها في الوقت الذي صارت فيه مالي رهينة أجندات القوى الأجنبية، وقد أفضت هذه التدخلات إلى تصعيد مسلّح بين الجيش المالي المدعوم من فاغنر الروسية وتركيا من جهة، والفصائل المسلحة الأزوادية بالقرب من الحدود البرية المشتركة من جهة أخرى، إضافة إلى توتّر العلاقات الجزائرية – الروسية بسبب الخلاف حول الأدوار الجديدة في المنطقة".
ويلفت ليمام إلى أنّ التوجه الدبلوماسي الجزائري الحالي "يدفع نحو تعزيز الروابط مع الحكومة النيجيرية من أجل مساندة هذا البلد الذي يواجه العديد من المخاطر".
إلى ذلك، يعتقد الدكتور كاهي مبروك، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ورقلة والخبير بالشؤون الدولية، أنّ الزيارة تأتي بدافع إذابة الجليد واستعادة الدور الجزائري في المنطقة الذي تحاول بعض الأطراف تقويضه ومحاصرته.
ويضيف مبروك لـ"النهار العربي": "ثمة رغبة لدى الجزائر بتمرير رسالة واضحة، تؤكد فيها التزامها أداء دورها إزاء جيرانها، ورأيها أنّ المقاربة التنموية هي الأساس لحلّ كلّ مشكلات المنطقة".