النهار

عرائس تونس يتخلّين عن مصاغ الذّهب: هروب نحو المُقلّد
تونس-كريمة دغراش
المصدر: النهار العربي
لم تكن الحلي في تونس بالنسبة إلى العروس مجرد مصاغ تتزين به في عرسها وخلال المناسبات والأفراح التي ستحضرها لاحقاً، كان بمثابة مهرها في بلد تخلى عن شرط المهر في عقود الزواج، واليوم يبدو أن الغلاء دفع التونسيات للتخلي عن زينتهن ومهرهن.
عرائس تونس يتخلّين عن مصاغ الذّهب: هروب نحو المُقلّد
ارتفاع كبير في اسعار المجوهرات في تونس
A+   A-
لم تكن الحلي في تونس بالنسبة إلى العروس مجرد مصاغ تتزين به في عرسها وخلال المناسبات والأفراح التي ستحضرها لاحقاً، كان بمثابة مهرها في بلد تخلى عن شرط المهر في عقود الزواج، واليوم يبدو أن الغلاء دفع التونسيات للتخلي عن زينتهن ومهرهن.
 
في سوق "البركة" في المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، حيث تنتشر عشرات محال بيع المجوهرات، تبدو الحركة ضعيفة ويشكو التجار من الركود.
 يقف هؤلاء أمام أبواب محالهم منادين على رواد المكان: "بش تبيع ذهب... بش تشري ذهب"، تلك هي أكثر العبارات التي يرددونها طيلة ساعات اليوم أملاً في اصطياد زبون تائه لم يحسم قراره بعد، يقول أحد التجار لـ"النهار العربي"، مؤكداً أنّ السوق فقدت جزء كبيراً من زبائنها في السنوات الأخيرة، حتى أنّ بعض التجار تركوا المهنة وأغلقوا محالهم لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل نفقات محالهم مقابل ركود كبير في حركة البيع والشراء.
 
ويضيف التاجر: "حتى المناسبات التي تعودنا فيها سابقاً على وجود حركة في السوق، مثل موسم الأعراس صيفاً ورمضان والأعياد، صارت شبيهة بالأيام العادية".
 
و"البركة" هي أشهر أسواق الذهب في تونس وتعد بوصلة القطاع في كامل البلاد، وكانت قديماً سوقاً للعبيد قبل أن تتحوّل إلى سوق لأغلى المعادن.
 
على أبواب الإفلاس
ورغم تراجع الحركة في الشارع، يقول رئيس نقابة تجار المجوهرات حاتم بن يوسف لـ"النهار العربي": رغم كلّ الصعوبات فإنّ وضع التجار هنا أفضل بكثير من وضع أصحاب المحال في مناطق أخرى من العاصمة ومن المدن التونسية الداخلية"، وذلك بفضل الشهرة التي اكتسبتها السوق وجعلتها الوجهة الأولى لكل من يرغب بشراء المصاغ.
 
ويُلقي ارتفاع أسعار الذهب مقابل تراجع المقدرة الشرائية للتونسيين بظلاله على هذه التجارة التي تمر بواحدة من أكبر أزماتها وفق بن يوسف، إذ يؤكد أنّ إقبال التونسي على شراء الذهب "تراجع بنسبة كبيرة" في السنوات الأخيرة.
وصعدت أسعار الذهب خلال هذه الفترة في أسواق الصاغة إلى مستويات قياسية بلغت 226 ديناراً (42.5 دولاراً) للغرام الواحد من الذهب عيار 24 قيراطاً بزيادة تقدر بنحو 50 ديناراً مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي مقابل سعر لا يتعدى الـ80 ديناراً (25 دولاراً) للغرام الواحد قبل 10 أعوام.
 
ويؤكد بن يوسف أنّ "غالبية التجار الصغار على أبواب الإفلاس ووحدهم كبار المهنة لا تزال لديهم القدرة على الاستمرار" في مثل هذه الأوضاع.
 
حاتم بن يوسف
 
 
انخفاض العملة
ويُرجع بن يوسف هذا الارتفاع إلى انخفاض قيمة العملة المحلية "فالدينار التونسي فقد الكثير من قيمته على امتداد أكثر من عشر سنوات، وهذا ما أثر على أسعار الذهب التي باتت جنونية لا يقدر عليها المواطن".
وأكد تراجع معاملات سوق الذهب خلال السنوات العشر الماضية بأكثر من 50% نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وتراجعت قيمة الدينار التونسي في السنوات الأخيرة مقابل الأورو والدولار الذي يعتبر العملة العالمية لشراء الذهب.
 وعمقت الأزمات الدولية مثل الحرب في أوكرانيا أزمة القطاع وفق النقابي التونسي. 
 
الهروب إلى المُقلّد
في جزيرة جربة التي تشتهر بسوق صاغتها الكبير، والذي يعمل فيه أشهر تجار الصاغة في تونس وأغلبهم من اليهود ويعشق سكانها الذهب إلى حد تقديسه، اختارت منى أن تكسر العادات والتقاليد وأن "تتزوج بلا مصاغ".
 
تقول الشابة التي تزوجت قبل نحو عامين لـ"النهار العربي" إنها اشترت مصاغاً مقلداً وضعته أيام الاحتفال بزفافها وأوهمت الكل بأنه من الذهب تجنباً للملاحظات والانتقادات التي قد تصدر عن محيطها العائلي لأنها "قبلت الزواج بلا ذهب". 
 
لم يكن خطيبها يملك المال حينها لشراء مصاغ يصل سعره إلى 5 آلاف دينار (1500 دولار)، تقول: "لقد تخرّج وبدأ العمل لتوّه، لم يكن قادراً على شراء الذهب وكنا نرغب في الزواج".
 
وتضيف: "كذلك لم يكن من السهل علي أن أقنع أمي، التي تنتمي إلى محيط اجتماعي يعتد بما يملكه من ذهب ويعتبره شرطاً أساسياً لأي زواج ناجح، أن تقبل بفكرة أنّ ابنتها لن تحصل على هذا المصاغ، لذلك فكرت في التحايل على الجميع وادعاء أنني اشتريت الذهب تجنباً للقيل والقال".
 
 
سوق البركة
 
وفي جزيرة جربة ومدن ساحلية تونسية، جرت العادة أن تحصل الزوجة على "غربال" (آنية تستعمل لتصفية القمح والشعير) من الذهب هدية لزواجها، ويعتبر هذا أحد أهم شروط الموافقة على الزواج.
والذهب يقوم مقام المهر في عادات التونسيين الذين يسمونه "الشرط"، وفي حال الطلاق لا يمكن للزوج أن يطالب زوجته برده لأنه يصبح ملكها الخاص.
 
ومثل منى قطعت تونسيات كثيرات مع هذه العادات وتخلين عن طقس شراء الذهب، ويقول بن يوسف: "كثيراً ما كان المصاغ يشعر العائلات بالأمان من غدر الزمان ومن هنا يأتي حرصها سابقاً على شرائه لأنه لا يفقد قيمته مع مرور السنين ويمكن أن يوفّر الحل في وقت الأزمات".
ويؤكد أنّ علاقة التونسيين بمعدن الذهب تغيرت، فـ"قديماً كان هذا المعدن حلي الزينة الأول لنساء تونس وكان الهدية التي لا تغيب كل احتفالاتهم في أعراسهم وأعيادهم، كان الخطيب يهدي خطيبته في كل عيد قطعة من الذهب ويُسمى ذلك 'الموسم' وكان البعض يوفر طقمين من المصاغ الأبيض والأصفر لزوجته كمهر فتتباهى بذلك أمام أسرتها، وكان الزوج إذا أراد أن يسعد زوجته أو يكافئها يهديها قطعة من الذهب الخالص". 
وكان المزارعون يقصدون محال الصاغة عند نهاية كل موسم فلاحي لشراء قطع الذهب، ويُعدّ ذلك شكلاً من أشكال استثمار أموالهم، لكن اليوم ومع تراجع محاصيلهم بسبب الجفاف لم يعد ذلك ممكناً.
وبحسب بن يوسف تغيرت هذه العادات وتكاد تختفي وصار شراء المصاغ مقتصراً على بضع مناسبات مثل الخطبة والزواج في مقابل انتشار المصاغ المزيف الذي غزا الأسواق.
 

اقرأ في النهار Premium