تستقبل بعض البلديات السياحية في تونس فصل الصيف على طريقتها الخاصة، وذلك من خلال تكثيف معاقبة السيارات المخالفة، الرابضة في أماكن ممنوع الوقوف فيها أو المتجاوزة الوقت المحدد لها في مواقف السيارات. ويلاحظ في هذه المناطق السياحية تشغيل عمال إضافيين في هذا الوقت من العام، وذلك لوضع أكبر قدر ممكن من "الكبالات" أو "الصابو" بالعامية التونسية، وذلك بغاية جني أكبر قدر من الأرباح من المصطافين والزوار الذين باتوا صيداً ثميناً للشركات المتعاقدة مع البلديات لهذا الغرض.
وتدرك البلديات أنه لا مواقف سيارات كافية في هذه المناطق السياحية مع الإقبال الكثيف عليها صيفاً، وأن العائلات والأفراد القادمين للاستجمام والسهر في المقاهي والمطاعم القريبة من البحر سيضطرون إلى ركن سياراتهم في أماكن لا علم لهم بأنها ممنوعة بعد أن يقضوا وقتاً طويلاً في البحث عن مكان لسياراتهم من دون جدوى. وبالتالي فالشركات التي تمنحها البلديات الترخيص للعمل مقابل مبلغ مالي، تجد نفسها أمام غنيمة استثنائية تسيل اللعاب من أجل الربح السهل والسريع، وهو ما يجعل عمال هذه الشركات يعملون حتى خلال الليل بنشاط استثنائي وبلهفة مبالغ فيها وغير معهودة بحماسة تثير الاستغراب.
تجربة مريرة
هيثم الهادي موظف تونسي تحدث إلى "النهار العربي" عن تجربة مريرة عاشها مع عمال الكبالات بعدما قصد ثالث أجمل بلدة في العالم وفقاً لموقع متخصص وذي مصداقية، أي مدينة سيدي بوسعيد التي تجمع بين زرقة البحر وبياض الغيوم في مشهد رائع يجتذب إليها الزوار على مدار العام، وخصوصاً في فصل الصيف. قصد الهادي سيدي بوسعيد ليلاً برفقة زوجته وطفليه لقضاء ليلة سعيدة لكنه طاف أركان البلدة الجميلة ولم يجد مكاناً يركن فيه سيارته بسبب كثرة الزوار والازدحام الشديد، وبعدما وجد أحدهم يغادر سارع إلى ركن سيارته مكانه.
يقول الهادي: "بعدما بقيت قرابة الساعة أطوف البلدة وجدت شخصاً يغادر فوضعت سيارتي في المكان الشاغر الذي تركه، لكن بقي علي أن أجد القطع المالية المعدنية لأدفع ثمن ركن السيارة للآلة التي تمنحني بدورها تذكرة أضعها في مكان يراه عمال الكبالات. كانت معي أوراق مالية ولم تكن معي قطع معدنية فذهبت لشراء أي شيء مقابل الحصول من أحد التجار على باقي ورقتي المالية قطعاً معدنية لأدفع ثمن وقوفي، وبمجرد عودتي بعد قرابة ربع ساعة جالباً القطع المعدنية لدفع ثمن الإيواء، وجدت سيارتي وقد وضع فيها كبال (صابو) يمنعها من السير، وبالتالي بات علي أن أتصل بالعمال لرفع الكبال (الصابو) مقابل غرامة مالية. جاؤوا بعد قرابة الساعة من الاتصال بهم ووضحت لهم أنني ذهبت بحثاً عن قطع معدنية وعدت لتوي لأجدهم وقد كبلوا السيارة لكنهم لم يتفهموا الأمر وتحدثوا معي بعجرفة، ودفعت الغرامة المالية وأخذت الزوجة والأبناء وعدت إلى البيت بعدما فرغ جيبي من المال ولم يعد لدي ما يكفي لدفع ثمن المشروبات في المقهى ودعوت الله أن ينتقم لي منهم".
أمام المصحات
وليد بن ميلاد طالب جامعي تعاني والدته مرضاً مزمناً واضطر إلى أخذها إلى مصحة خاصة في المنطقة العمرانية الشمالية للعاصمة تونس، ولم يجد مكاناً يركن فيه سيارته في محيط المصحة بسبب الازدحام في تلك المنطقة التي باتت قطباً إدارياً وخدماتياً وتضم مقاهي سياحية، فاضطر إلى ركن سيارته في مكان ممنوع لإنزال والدته التي تعاني آلاماً مبرحة وتحتاج إلى تدخل عاجل ولا تستطيع المشي. وبعدما أتم الإجراءات مع المصحة لإيواء والدته خرج ولم يجد سيارته التي أخذها عمال الرافعات (الشنقال بالعامية التونسية)، ففي هذا المكان يرفعون السيارات مباشرة ويأخذونها إلى مستودع بلدي ولا يستطيع صاحبها أخذها إلا بعد دفع مبلغ يصل إلى ضعف المبلغ الذي يدفعه من وضعوا له كبالاً.
سيارة "مشنقلة".
يقول بن ميلاد لـ"النهار العربي" إنه احتار في أمره، هل يهتم بوالدته أم يذهب إلى تحرير سيارته التي باتت رهينة بيد هذه "العصابات" التي لم تلقن عمالها مبادئ الإنسانية ومراعاة السيارات المركونة بطريقة غير قانونية أمام المصحات والمستشفيات. ويضيف أنه في النهاية بقي مع والدته، وبعدما قدمت لها الإسعافات اضطرت إلى انتظاره وهي مرهقة وجالسة على كرسي، وذهب هو مشياً إلى المستودع البلدي في درجة حرارة مرتفعة والشمس تحرقه، على حد تعبيره، ودفع المال وعاد إلى الوالدة بالسيارة.
وللإشارة فإن هناك قصصاً كثيرة تروى في هذا المجال، ومنها حصول مشادات كلامية وشتائم بين من تُرفع سيارته أو توضع لها كبالات، وبين عمال في هذه الشركات "يتميزون" عادة بلسان سليط واستعداد للتهجم الجسدي على أصحاب السيارات. وبالتالي فقد تحول الصيف في كثير من المناطق السياحية في تونس إلى كابوس بسبب هذه الشركات والبلديات التي تسلطها على الناس رغبة في الربح السهل والاستثراء من قوت المواطن البسيط الباحث عن الراحة والاستجمام.