تضع السلطات في الجزائر رفع نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية على رأس أولوياتها، في ظلّ عزوف شعبي مستمر ارتفع خلال السنوات الأخيرة، حتى بلغت نسبة المقترعين في استحقاق 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019 الرئاسي 39.93% من الناخبين، وهي الأدنى على الإطلاق في انتخابات رئاسية تعددية بتاريخ البلاد.
وفيما يراهن المرشحون الثلاثة للرئاسة، الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس "حركة مجتمع السلم" عبد العالي حساني الشريف، والسكرتير الأول لجبهة "القوى الاشتراكية" يوسف أوشيش، على إقبال الجزائريين على صناديق الاقتراع، تتضارب آراء السياسيين بشأن نسبة المشاركة: منهم من يترقّب ارتفاعها لأسباب عدة مرتبطة بمحددات بيئية ومجتمعية وسياسية، أهمها الاستقرار السياسي، خلافاً لما كان عليه الأمر في المحطة الانتخابية السابقة، ومنهم من يرى أن جذب الناخبين إلى صناديق الاقتراع صعب بسبب القلق الشعبي من الأوضاع الاجتماعية وغلاء الأسعار، إضافة إلى حال التنافر بين الشارع الجزائري والحدث السياسي.
هذه الأمور كلها دفعت بثلاثي المنافسة نحو قصر المرادية في أعالي الجزائر العاصمة، إلى إنشاء استراتيجيات تسويق ميدانية للوصول إلى عقول الناخبين وقلوبهم، في المدن والقرى.
توقّعات إيجابية
يقول الدكتور مخلوف وديع، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة قالمة، لـ"النهار العربي"، إن نسبة المشاركة سترتفع عمّا سبقتها من نسب ماضية لأسباب عدة "لعلّ أبرزها البُعد القانوني في الأبعاد التنظيمية للهيئة المستقلة للانتخابات، فهذه الأخيرة تسعى إلى إعادة بناء الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، ما ينعكس إيجاباً على المشاركة في الانتخابات المقبلة".
ويردّ وديع ارتفاع نسبة المشاركة إلى البعد المتعلق بالوعي عند العامة بالمخاطر التي تحوط بالجزائر، ومن ثم، فإنّ المشاركة الكثيفة في الانتخابات "تعني تقوية الاستقرار السياسي في مواجهة المخاطر الإقليمية والأمنية، لا سيما أن ذكريات المواجهات الأمنية خلال العشرية الدموية أو السوداء التي عاشتها البلاد بين عامي 1990 و2000 لا تزال راسخة في أذهان الكثيرين".
وتبقى أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الجزائرية تلك التي شهدها استحقاق 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، إذ بلغت حينها بحسب الإعلان الرسمي 75,68%، وتأتي في المرتبة الثانية انتخابات الرئاسة الجزائرية في العام 2014 (وتُعرف بانتخابات الولاية الرئاسية الرابعة) حين بلغت نسبة المشاركة 50.7%.
أسباب وعوامل
يبدو جدو فؤاد، الأستاذ والباحث في قسم العلوم السياسية والإعلام في جامعة بسكرة، متفائلاً بتسجيل ارتفاع طفيف في نسبة المشاركة، وهو يردّ تفاؤله هذا إلى أن هذه الانتخابات "تأتي في ظل ظروف مغايرة، مقارنة بتلك التي جرت في 12 كانون الثاني (ديسمبر) 2019، والتي نُظِّمت في خضم الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 شباط (فبراير) 2019، ووسط تشكيك في نوايا السلطة".
يضيف فؤاد لـ"النهار العربي": "ظروف اليوم مختلفة. فالرئيس المُرشّح يحظى بتجربة سياسية وبرصيد انتخابي راكمهما في فترته الرئاسية بين عامي 2019 و2024، وقد لمس المواطن الجزائري في هذه المرحلة تغيّراً ملحوظاً، كقرار رفع الأجور بنسبة تصل إلى 47% في العام 2024، ورفع منح التقاعد، وخفض الضرائب على الدخل، وهذه أمور استثنائية، هدفها تحسين قدرة المواطن الجزائري الشرائية، إضافة إلى اتخاذه قرارات أخرى تتعلق بالحدّ من تفاقم أزمات السكن والبطالة والتوظيف المباشر لأصحاب عقود ما قبل التشغيل"، لافتاً إلى أنّ هذه القرارات "منحت الرئيس الصدقية في توجيه النظام السياسي الجزائري".
يجد فؤاد سبباً ثانياً قد يرفع نسبة المشاركة "يكمن في نوعية المتنافسين الذين يمثلون ثلاثة تيارات مختلفة، فالتيار الإسلامي سيحشد أكبر عدد من أنصاره، وكذلك سيفعل التياران الديموقراطي والوطني، وربما تصل نسبة المشاركة إلى عتبة 60%، وهذه نسبة معقولة جداً، بعيداً من أي تضخيم وتزوير"، لكنه يرهن ذلك بنوعية الخطاب السياسي الذي سيستخدمه كل مرشح لمنصب رئاسة الجمهورية، ويتساءل: "هل من بدائل تستقطب الصوت الجزائري في ظل الانفتاح الإعلامي؟ فهذا هو التحدّي الأبرز الذي يواجهه المرشحون الثلاثة".
استقطاب حزبي
لا يختلف الدكتور سمير حكيم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة غرداية، مع فؤاد في مسألة ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، إذ يقول لـ"النهار العربي" إنّ "الاستقرار السياسي والديموقراطي في البلاد، بعد الذي شهدته من اضطرابات وتحوّلات سياسية استثنائية، سيدفع الجزائريين إلى الاقتراع".
وبعد حراك عام 2019 الشعبي، رفضت شريحة واسعة من الشعب الجزائري الطريقة التي أُجريت بها الانتخابات الرئاسية، لكن "الظروف تغيّرت اليوم"، كما يقول حكيم.
ويضيف: "من الأسباب التي ترفع نسبة الاقتراع مشاركة تيارين سياسيين وازنين وثقيلين، لكل منهما قاعدة شعبية وازنة، ولا ننسى أن جبهة القوى الاشتراكية، التي عادت إلى الفضاء الانتخابي بعد غياب طال 25 عاماً، مرشحة أمينها الوطني الأول يوسف أوشيش، تعوّل كثيراً على تصويت منطقة القبائل"، مرجّحاً أن تسمح مشاركة التيار باستقطاب ولو نسبي في منطقة القبائل "وهذا ما تريده السلطة لإنهاء أي قطيعة بينها وبين هذه المنطقة، لا سيما أن الانفصاليين لا يكفّون عن توظيف هذه المسألة".
وبحسب حكيم، سترفع مشاركة مؤسسات المجتمع المدني نسبة الإقبال على الاقتراع في المحطة الانتخابية المقبلة "خصوصاً أن الرئيس تبون أكّد في ولايته الرئاسية الأولى على استقامة الدولة والتنمية المستدامة الشاملة بكل أبعادها، إضافة إلى تفعيل شبكات الدعم الحزبي في قيادة حملات الدعاية، لأهمية هذه الانتخابات، ما سيحثّ المنتمين إلى التيارات المختلفة على المساهمة الفاعلة في الانتخابات".