بدأ السباق الانتخابي الرئاسي في تونس يبوح ببعض أسراره. وفي انتظار كلمة المحكمة الإدارية التي تنكب حالياً على النظر في الطعون في قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الرافضة عدداً من ملفات الترشح، يبقى في الساحة ثلاثة مرشحين فقط.
وللمرة الأولى منذ 2011 تغيب النساء عن قائمة المتنافسين على منصب رئيس الجمهورية، في بلد يعتد بترسانة مهمة من التشريعات المناصرة للنساء يعود بعضها إلى عام 1957.
حضور متواصل
ومنذ أحداث 2011، وبعدما أزيل الكثير من القيود عن الترشح للرئاسة، سمح المناخ الديموقراطي في البلد بتقدم نساء عديدات للانتخابات الرئاسية.
ورغم أن حظوظهن كانت دائماً توصف بالضعيفة، إلا أن النساء لم يغبن عن أي من المحطات الانتخابية الرئاسية منذ 2011. ولم تنجح أي سيدة في بلوغ الدور الثاني من الانتخابات، مكتفيات بتحقيق نتائج ضعيفة مقارنة بمنافسيهن من الرجال.
ويعتبر غياب المرأة عن الانتخابات الرئاسية الحالية غير مفاجئ لكثير من المراقبين للمشهد السياسي الحالي في تونس، لكنه يمثل انتكاسة خطيرة في نظر الحقوقيات والمدافعين عن حقوق النساء.
ولم ينجح في تجاوز اختبار هيئة الانتخابات مبدئياً سوى ثلاثة مرشحين من الرجال وهم قيس سعيد وزهير المغزاوي وعياشي الزمال، فيما رفضت الهيئة ملفات ترشح عدد من النساء لعدم استيفاء ملفاتهن شروط الترشح.
إقصاء
وفيما لم تنجح بعض المرشحات المحتملات في تأمين العدد المطلوب من التزكيات الشعبية أو النيابية لتقديم ملف ترشح متكامل، ألقت كل من ألفة الحامدي وعبير موسي (رئيسة حزب الدستوري الحر) باللوم على السلطات، مؤكدتين أنهما أُقصيتا من هذا السباق.
وكانت الحامدي قد أعلنت منذ مدة رغبتها في الترشح للسباق الرئاسي، لكن الشرط الذي نص على ألا يقل سن المرشح للرئاسة عن 40 عاماً حرمها من تقديم ملفها، فيما لم تتمكن عبير موسي من الحصول على استمارة التزكيات والبطاقة عدد 3 من أجل تقديم ملفها بحكم أنها تقبع في السجن حالياً لمحاكمتها بتهم مختلفة، يقول حزبها إن الهدف منها إقصاؤها من السباق الرئاسي.
وكانت موسي تقود احتجاجاً أمام القصر الرئاسي ساعة تم توقيفها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بتهم تتعلق بالمساس بالأمن القومي.
وسبق لها أن ترشحت للانتخابات الرئاسة في 2019 لكنها لم تتجاوز الدور الأول، غير أن استطلاعات الرأي كانت تضعها قبل فترة في صدارة ترتيب الأسماء التي قد يصوت لها التونسيون بعد سعيّد.
لكن الرئيس سعيد الذي يوصف بأنه محافظ كان أول رئيس في تونس يختار امرأة لتقود الحكومة. ففي أيلول (سبتمبر) 2021 عين سعيّد نجلاء بودن رئيسة للحكومة واستمرت في منصبها لمدة عامين فقط، كما اختار سعيد نساءً ليشغلن حقائب مهمة مثل العدل والمالية.
وترجع المعارضة غياب الحضور الأنثوي عن السباق الانتخابي الحالي إلى المناخ السياسي المتوتر وحالة الخوف التي تقول إنها سرت في البلد وباتت حاجزاً أمام ممارسة العمل السياسي بحرية.
وتتهم المعارضة السلطات بالتضييق على الحريات، والثلاثاء الماضي تظاهرت مئات من التونسيات في شارع الحبيب بورقيبة على هامش الاحتفال باليوم الوطني للمرأة للمطالبة بالإفراج عن عدد من السياسيات والناشطات في المجتمع المدني، كما اختار أنصار موسي التظاهر أمام وزارة المرأة للمطالبة بإطلاق سراح رئيسة حزبهم و"تنديداً بالتراجع غير المسبوق لمكانة المرأة في المؤسسات المنتخبة، وإقصاء المرأة التي تتمتّع بحظوظ جديّة في المنافسة على الترشح للانتخابات الرئاسيّة بتوظيف المؤسسة القضائيّة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتضامناً مع النساء السجينات من أجل آرائهنّ ومشاركتهنّ في الفضاء العام"، وفق بيان الحزب.
(أ ف ب)
وقال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي إن النساء اللواتي يمارسن السياسة في تونس يتعرضن للمضايقة والتخويف ويتم اعتقالهن على خلفية المرسوم عدد 54، مؤكداً لـ"النهار العربي" أن ذلك يؤثر على حضور المرأة في المشهد الانتخابي والسياسي عامةً، ومعتبراً أن وضعية المرأة في تونس تشهد تدهوراً لافتاً.
عقلية ذكورية
لكن بعض وجهات النظر الأخرى تحمّل مسؤولية غياب المرأة عن المنافسة للعقلية الذكورية المسيطرة على المجتمع التونسي.
وطالما كان حضور النساء في المشهد السياسي في تونس محل جدال وانتقادات، خصوصاً من الأصوات النسوية في وقت تتباهى كل الحكومات المتعاقبة بسنها ترسانة من التشريعات الحافظة لحقوقها والضامنة للمساواة بينها وبين الرجل في كل المجالات.
وقال حقوقيون إن ذلك يرجع إلى إلغاء مبدأ المناصفة.
وحضرت المرأة التونسية بنسبة 29% في المجلس التأسيسي عام 2011، وبنسبة 31% في مجلس نواب الشعب عام 2014، فيما كانت نسبتها في برلمان عام 2019 نحو 24%.
وتواجه النساء الناشطات سياسياً صعوبات كبيرة لشق طريقهن، وكثيراً ما كنّ عرضة للتشويه ولكل أشكال العنف الذي وصل في بعض المناسبات إلى عنف مادي.
وفي تصريحات سابقة إلى "النهار العربي" قالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة راضية الجربي إن المرأة في تونس تصبح عرضة لكل أشكال العنف عندما تفكر في خوض تجربة سياسية، مؤكدة أن الفضاء الافتراضي زاد من خطر تعرضها للعنف الذي يجعلها تنفر من الترشح للبرلمان أو الرئاسة.
وتقول المتخصصة في علم الاجتماع سيرين بالحاج إن مسألة تشريك النساء وحضورهن في المشهد السياسي تستغل كورقة في الحملات الانتخابية للمرشحين الذكور، من دون أن يكون هناك إيمان حقيقي بهذا الدور، لأن المشهد السياسي في تونس تحكمه عقلية ذكورية.