تكاد الحملة الانتخابية للمرشحين للرئاسة الجزائرية تتجاوز أسبوعها الأول، وسط نشاط مفعم من مرشحي حزبي جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، وحركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، فيما انتظر المرشح الحر الرئيس عبد المجيد تبون أربعة أيام كاملة للخروج في تجمع شعبي وُصف بـ"الكبير"، احتضنته الأحد قاعة كبرى في قسنطينة، عاصمة شرق البلاد.
وكان هذا أوّل لقاء مباشر يعقده الرئيس الجزائري المرشح لولاية ثانية مع الشعب، في وقت تؤكد مصادر أنّه سيكتفي بأربعة تجمعات شعبية فقط خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات المقبلة.
الولاية الثانية... الاطمئنان
ويقول مراقبون إنّ الطريق مفروشة أمام تبون لاكتساح منافسَيه منذ الدور الأول والفوز بولاية ثانية، لذا فإنّ استمرار إدارة شؤون الدولة خلال الحملة الانتخابية وعدم ترك فراغ في أعلى هرم السلطة في سياق إقليمي ودولي غير مستقر يدفع بالرئيس المرشح لمتابعة مهامه الرئاسية.
ويعود اطمئنان تبون ومناصريه إلى الدعم المنقطع النظير الذي يحظى به من كبرى الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، إذ لم يتوان أي من هؤلاء عن تفعيل عشرات التجمعات الشعبية لمصلحته منذ اليوم الأول لانطلاق الحملة الانتخابية في محافظات البلاد.
يؤكد حديث تبون في تجمع قسنطينة أمام جمع غفير من مناصريه أنّ الطريق معبدة أمامه لاعتلاء كرسي المرادية مرة أخرى يوم 7 أيلول (سبتمبر) المقبل، إذ قال إنّ الجزائر "ستُصبح من الدول الرائدة في تصدير الحديد" خلال السنوات القليلة المقبلة، مضيفاً أنه "سيواصل كل الإنجازات والجزائر ستعرف انطلاقة حقيقية" خلال الولاية الثانية، ليست كمثل الولاية الأولى التي وصفها بولاية الجائحة، نسبة إلى ما مرت به البلاد من أزمة صحية بين عامي 2020 و2022 بفعل وباء كوفيد-19.
ولفت تبون إلى أنّ "استراتيجيتنا في الزراعة ستجعلنا نقلص الاستيراد ليستفيد الشعب من ميزانيته، وولايتنا المقبلة بحول الله ستكون اقتصادية"، مؤكداً أنه بحلول عام 2025، "سنحقق رقمنة كاملة للإدارة وسنستمر في تعزيز الاقتصاد".
إحباط انتخابي
وعلى الرغم من انتقادات المرشحين الآخرين للسياسات الاقتصادية المنتهجة في ولاية تبون الأولى، متعهدين بالتغيير الشامل وبالقطيعة مع جميع التوجهات الحالية للدولة في حال وصول أي منهما إلى السلطة، يكاد قادة وزعماء تشكيلات سياسية موالية للرئيس المرشح يجزمون بحسمه استحقاق الخريف المقبل.
يؤكد عبد القادر بن قرينة، رئيس "حزب حركة البناء"، أول الأحزاب التي أعلنت دعمها ومساندتها لترشح الرئيس، أنّ تبون "سيفوز بالولاية الثانية وبالضربة القاضية حاسماً الأمر في الدور الأول"، مشيراً في أحد تصريحاته إلى أنّه "واثق" من ذلك.
هذه تصريحات قال متابعون إنها لن تخدم صناديق الاقتراع التي تعوّل السلطة في الجزائر على توجه أعداد كبيرة من الناخبين إليها، وبالتالي ارتفاع نسبة المشاركة ومنح الرئيس المنتخب الدعم الشعبي اللازم، خلافاً للانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2019، حين تم تسجيل مشاركة 39.93% من مجموع الناخبين، وهي أضعف نسبة منذ استقلال البلاد.
ومن شأن حديث داعمي تبون، أن يزيد من العزوف الشعبي عن الاقتراع ما دام الأمر محسوماً، كما يقول مراقبون، مؤكدين ضرورة احترام الناخبين والمرشحين والنأي بهم عن مثل هذا الإحباط.
على مسافة واحدة
يقول عبد القادر بن كرمة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بومرداس (شرقي الجزائر)، إنّ الرئيس المرشح لولاية ثانية يقف أمام معطيات مهمة ترشحه للبقاء في منصبه خمسة أعوام أخرى، مؤكداً لـ"النهار العربي" أنّه بمقارنة بسيطة بين الولاية الرابعة والأخيرة للرئيس المرحوم عبد العزيز بوتفليقة، والولاية الأولى لتبون "نجد اختلافاً كبيراً وأساليب حكم جديدة وبرامج مجتمعية واقتصادية مهمة أخرجت البلاد من جمودها الذي عاشته عشر سنوات كاملة قبل أن يثور الشعب في حراك عام 2019".
وأشار بن كرمة إلى أنّ منجزات تبون المجتمعية والاقتصادية ترشحه لنيل ثقة الشعب مرة أخرى، غير أنّه "لا يمكن الجزم بحسم الأمور من الوهلة الأولى"، مؤكداً أنّ التنافس الجدي والوقوف على مسافة واحدة بين المرشحين الثلاثة "يعطي الاستحقاق الانتخابي زخماً سياسياً قوياً، وهو ما لاحظناه خلال الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية".
ولفت بن كرمة إلى أنّه خلافاً للاستحقاقات الرئاسية السابقة، حين كانت تسخّر إمكانات الدولة لمصلحة مرشح بعينه على حساب باقي المرشحين، فإنّ "الأبرز في الحملة الانتخابية للرئاسيات الجزائرية المقبلة هو عدم استغلال ما يسمى مرشح السلطة لإمكانات حكومية لمصلحة حملته الانتخابية، وهذا معطى يحسب للرئيس المرشح أولاً وأخيراً".
ودأب أغلب الجزائريين على فكرة حسم المرشح الأبرز للانتخابات منذ البداية، مثلما حدث خلال ولايات بوتفليقة الأربع، ودفع ذلك إلى انسحاب منافسيه خلال انتخابات نيسان (أبريل) 1999، احتجاجاً قبل موعد التصويت، وهو ما تحاول السلطة تجاوزه.