الرباط: كريم السعدي
عفا عاهل المغرب الملك محمد السادس، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لعام 1953، التي تصادف يوم 20 آب (أغسطس)، على مجموعة من الأشخاص، منهم المعتقلون ومنهم الموجودون في حالة إفراج، المحكوم عليهم من طرف مختلف محاكم البلاد وعددهم 685 شخصا.
كما عفا أيضا على 4831 شخصا مدانين أو متابعين أو ملاحقون في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي الحائزين على الشروط المطلوبة للاستفادة من العفو.
وأفاد بيان لوزارة العدل بأن عدد المعتقلين المستفيدين من العفو الملكي في حالة اعتقال بلغ 548 نزيلا.
وطال العفو الملكي ما تبقى من عقوبة الحبس أو السجن لمصلحة 15 نزيلا، والتخفيض من عقوبة الحبس أو السجن لمصلحة 529 نزيلا، وتحويل السجن المؤبد إلى السجن المحدد لمصلحة اربعة نزلاء.
أما المستفيدون من العفو الملكي الموجودون في حالة إفراج فبلغ عددهم 137 شخصا .
وشمل العفو في ما يخص العقوبة السجنية أو ما تبقى منها، 26 شخصا، بينما شمل العفو من العقوبة السجنية مع إبقاء الغرامة 8 أشخاص. اما العفو من الغرامة فطال 98 شخصا.
وشمل العفو من عقوبتي الحبس والغرامة أربعة أشخاص. كما طال العفو من أداء الغرامة ومما تبقى من العقوبة السجنية شخص واحد.
وفي ما يخص العفو الذي استفاد منه صغار المزارعين المدانين والمتابعين، بشكل حصري، فأتى من منطلقات إجتماعية وإنسانية نبيلة، هدفها تمكين هذه الفئة من المواطنين من التخلص من الآثار القانونية للمتابعات القضائية، والاندماج مرة أخرى داخل المجتمع، كما يؤشر على حرص الملك محمد السادس على جعل كل المناسبات الوطنية الكبرى مناسبة سانحة لاتخاذ مبادرات إنسانية كبيرة في نبلها ومقاصدها، تستحضر مبادئ الرأفة والتسامح، وتستشرف مصلحة المستفيدين من العفو، في ظل مصلحة المجتمع ككل.
تجدر الإشارة إلى أن هذا العفو يأتي في سياق الآثار الإيجابية التي خلفها العفو الملكي الأخير بمناسبة اليوبيل الفضي لعيد عيد الجلوس، والذي استفاد منه 2476 شخصا، ضمنهم صحافيون ومدونون مدانون في قضايا الحق العام، ومستفيدون من برنامج مصالحة لمواجهة الخطاب المتشدد داخل السجون.
رفع سقف التطلعات عاليا
ينظر المراقبون الى مبادرات العفو الملكية المتواترة باعتبارها آلية واحدة ومتكاملة، تستمد مرجعيتها من القيم الكامنة في كل مناسبة وطنية، وتنهل غاياتها ومقاصدها من الروح الإنسانية للملك محمد السادس ، التي تأخذ بعدا تقديريا ينأى بنفسه عن كل الظروف والاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية.
وعلى غرار العفو الملكي بمناسبة عيد الجلوس، رفع العفو الملكي الصادر في ذكرى ثورة الملك والشعب سقف التطلعات عاليا، وفاجأ الجميع بمعالجته لوضعيات اجتماعية صعبة لفئات عريضة من صغار المزارعين، بشكل يسمح لهم بمعاودة الاندماج في محيطهم الاجتماعي، والانخراط في أنشطة مشروعة منتجة للدخل بما لا يتعارض مع القوانين والتشريعات الوطنية.
وعد المراقبون العفو الملكي بأنه يشكل تكريسا جديدا للنهج الإنساني الواضح والجلي الذي تبناه الملك محمد السادس،على مدى ربع قرن، والذي جعل التسامح والعفو والعطف ركائز أساسية لسياسته الاجتماعية التي كانت رمزا للرأفة والإنسانية، وبالتالي يعيد العفو على المزارعين البسطاء التأكيد على نبل وسمو المبادرات الملكية التي تتميز بطابعها الإنساني الرفيع والسيادي البارز.
معالجة الأوضاع الإنسانية للمزارعين الصغار
يشكل العفو الملكي أيضا مبادرة إنسانية وخيرية تروم معالجة الأوضاع الإنسانية للمزارعين الصغار، بشكل يسمح لهم بالعودة بسلام إلى أحضان أسرهم والتجمع مع أهلهم وذويهم.
وقال مسؤولون مطلعون على الموضوع لـ" النهار العربي" إن هذا العفو لا يمثل فقط فرصة جديدة لهؤلاء الأفراد الذين غالباً ما يكونون ضحايا لظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، لإعادة دمجهم في المجتمع، بل هو أيضا رسالة قوية تعزز قيم الرحمة والتسامح التي يتسم بها نهج الملك محمد السادس في الحكم.
وترى المصادر ذاتها أن العفو الملكي عن صغار المزارعين لنبتة القنب الهندي يعد خطوة حل إجتماعي غير مسبوق، تكرم بها ملك المغرب، وذلك في استمرار للدينامية الجديدة التي تنهجها المملكة، والرامية إلى تحقيق تنمية شاملة وعادلة ومشروعة على المستويين الجهوي والوطني.
توطيد مسار تقنين سلسلة القنب الهندي ذي الاستعمالات المشروعة
وتعتقد المصادر ذاتها أن من شأن هذا العفو الملكي أن يساهم في توطيد مسار تقنين سلسلة القنب الهندي ذي الاستعمالات المشروعة، والمشاركة في تعزيز النسيج الاجتماعي وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمستفيدين ولأفراد عائلاتهم؛ كما أن قرار العفو الذي شمل صغار مزارعي نبتة القنب الهندي الذين كانوا موضوع متابعات قانونية يتماشى والأهداف المسطرة لورش تقنين وتطوير الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي الذي يستهدف الرقي بالمستوى المعيشي للساكنة المحلية من خلال تحسين دخلهم بصفة قانونية.
إعادة الإدماج الاجتماعي للمزارعين وتحسين مداخيلهم
تشير المصادر ذاتها إلى أن أهمية مبادرة العفو عن المزارعين تكمن في كونها تتسق وأهداف الاستراتيجية المنتهجة لتطوير سلاسل القنب الهندي المشروع، وذلك من خلال إتاحتها فرصا أكثر للمزارعين المستفيدين وتوجيههم نحو الانخراط في أنشطة قانونية مدرة للدخل.
وتقول المصادر إنه من شأن هذا القرار تحقيق العديد من المكاسب من بينها إعادة الإدماج الاجتماعي للمزارعين، وتحسين مداخيلهم، وإرساء قواعد ممارسات أكثر استدامة، والنهوض بالمناطق المعنية، وتوفير حماية المزارعين من خلال تجنب المتابعات القضائية والمشاكل الاجتماعية والعنف وانعدام الاستقرار والأمن الأسري والفقر.
وتضيف المصادر ذاتها أن هذه الخطوة تندرج في إطار مقاربة بديلة وشاملة تصب في صالح المملكة والمزارعين على حد سواء، حيث ستمكن من الحد من استغلال وهيمنة تجار المخدرات، وستعزز عودة السكان الممارسين للزراعة غير المشروعة إلى مجالات الزراعة القانونية.
العفو لا يعني شرعنة زراعة القنب الهندي خارج ضوابط القانون
وشددت المصادر ذاتها على أن مبادرة العفو الملكي عن المتابعين في قضايا الزراعة غير المشروعة للقنب الهندي، تتوافق وروح القانون الهادف إلى تأطير زراعة القنب الهندي وتنظيم القطاع، ولا تعني البتة شرعنة زراعة القنب الهندي خارج الضوابط القانونية. هذا الى جانب أن قرار العفو يأتي تثمينا لجهود المغرب في مكافحة الزراعة غير القانونية للقنب الهندي، وإدماج المزارعين الصغار في مسلسل التنمية وربط جسور المصالحة مع أولئك المتابعين في القضايا المرتبطة بالزراعة غير القانونية للقنب الهندي.
مبادرة ملكية تصب في صالح العدالة الاجتماعية
تبقى هذه المبادرة الملكية ذات الدلالات الإنسانية، حسب المصادر ذاتها، وسيلة لإنهاء كافة الرواسب السلبية التي تفرزها الزراعة غير المشروعة للقنب الهندي، خصوصا على الفلاحين الصغار من الخوف من الاعتقال ومخالفة القانون. إذ تصب في صالح العدالة الاجتماعية والإدماج الاجتماعي عبر تمكين هؤلاء المزارعين من منافذ قانونية للاشتغال.
ويرى المتابعون لهذا الملف الشائك أن هذه الخطوة ستفسح المجال لآلاف المواطنين للخروج من سياقات التيه والمشاركة الحقيقية في أنشطة قانونية مدرة للدخل، والمساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وتحقيق استقرار نفسي وأسري اجتماعي. كما أنها تمنح الأمل لمئات الأسر التي عانت من تبعات قانونية واقتصادية قاسية، إضافة إلى كونها ستمكن من إتاحة الفرصة لإعادة دمج المزارعين في النشاط الاقتصادي بما يساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي وتحسين دخل الأفراد وتنمية المناطق المعنية .
ويسود اعتقاد كبير في الرباط بان العفو الملكي عن صغار مزارعي نبتة القنب الهندي صادر عن وعي بالأوضاع الاجتماعية المتدهورة التي يعيشها هؤلاء المزارعين الذين كانوا يخضعون على مدى سنوات لسيطرة المنظمات الإجرامية.
في هذا الصدد لا يجب إغفال أن هذا العفو يأتي تعزيزا للدور الريادي والاستراتيجي الذي تضطلع به المملكة المغربية في مجال التعاون الدولي لمكافحة شبكات التهريب الدولي للمخدرات، عبر حماية مزارعي نبتة القنب الهندي من الوقوع في براثنها، والحد من الانعكاسات السلبية لانتشار الزراعات غير المشروعة على الصعيدين الوطني والدولي.
يشار إلى أن العفو الملكي على المزارعين التقليديين لنبتة القنب الهندي يأتي تكملة لما جرى التأسيس له من خلال القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي الرامي إلى استيعاب وإدماج مزارعي المناطق المعنية في أنشطة مدرة للدخل، وتحقيق طفرة اقتصادية بالمناطق المعنية ستكون لها انعكاسات جلية على الأوضاع الاجتماعية للسكان، وقطع الطريق أمام المهربين مع التشديد على استمرار المغرب في التضييق على أباطرة المخدرات ومحاربة الاتجار الدولي في الممنوعات.
تنشيط الاقتصاد المحلي وتحسين دخل الأفراد وتنمية المناطق المعنية
ويسود اعتقاد كبير في الرباط بأن العفو الملكي عن صغار مزارعي نبتة القنب الهندي صادر عن وعي بالأوضاع الاجتماعية المتدهورة التي يعيشها هؤلاء المزارعين الذين كانوا يخضعون على مدى سنوات لسيطرة المنظمات الإجرامية.
وفي هذا الصدد لا يجب إغفال أن هذا العفو يأتي تعزيزا للدور الريادي والاستراتيجي الذي تضطلع به المملكة المغربية في مجال التعاون الدولي لمكافحة شبكات التهريب الدولي للمخدرات، عبر حماية مزارعي نبتة القنب الهندي من الوقوع في براثنها، والحد من الانعكاسات السلبية لانتشار الزراعات غير المشروعة على الصعيدين الوطني والدولي.