احتدمت معركة الوعود في الانتخابات الرئاسية الجزائرية بين المرشحين الثلاثة: الرئيس عبد المجيد تبون ويوسف أوشيش وعبد العالي الحساني، سعياً لكسب ود الناخبين من الطبقتين الوسطى والفقيرة.
ويقدم كل من المرشحين الثلاثة نفسه قوة سياسية تملك كل الحلول لما يعانيه الشعب الجزائري من مشكلات اجتماعية ومادية، مطلقين وعوداً اقتصادية كبيرة كالقضاء على البطالة والفقر ومراجعة مختلف المنح بهدف إرساء التوازن وتكريس العدالة الاجتماعية، فهل ستصمد الوعود أمام ضغط الواقع؟ وهل هي قابلة للتطبيق والتجسيد ميدانياً؟ أم أنها مجرد وعود "خيالية" وغير قابلة للتنفيذ في الواقع ولا تخرج عن إطار الشعارات "الفضفاضة"؟
"فقاعات متكررة"
تتصدر وعود تحسين القدرة الشرائية للجزائريين عبر جملة من الآليات، أهمها رفع الحد الأدنى المضمون للأجور إلى 40 ألف دينار جزائري (نحو 300 دولار)، وتسقيف أسعار المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك، فضلاً عن إعادة تقييم المنح العائلية إلى 3000 دينار لكل طفل مع التزام تفعيل التقاعد المسبق.
ووعد يوسف أوشيش الذي يقود حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، برفع "منحة الطالب الجامعي ومعاشات المتقاعدين"، معتبراً هاتين الفئتين من "أكثر الفئات هشاشة في المجتمع الجزائري"، كما تعهد فرض ضريبة عالية على الأثرياء وأصحاب الشركات والمجموعات الاقتصادية الكبرى لتحصيل مداخيل مالية إضافية للدولة الجزائرية، على أن يجري توجيه جزء منها إلى الصحة والنقل والتعليم لتحسين الخدمات في هذه القطاعات.
وفي المرتبة الثانية، يعد المرشحون الناخبين بالقضاء على أزمة السكن وآفة المخدرات والمهلوسات التي تفشت تفشياً يدعو إلى القلق في أوساط الشباب حتى أنها طرقت أبواب المدارس والفضاءات التربوية.
وتصدر قطاع التعليم أولويات عبد العالي حساني الذي يرأس "حركة مجتمع السلم" (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، مبدياً عزمه على رفع أجور الأساتذة والمعلمين وموظفي القطاع، كما وعد بحل أزمة البطالة التي تضرب آلاف المتخرجين في الجامعات سنوياً. وقال في أحد تجمعاته الانتخابية، إنه يولي "أهمية كبيرة للاستثمار في الإنسان الجزائري، لجعله محباً لوطنه وفعالاً وإيجابياً".
وبحسب متابعين وخبراء، من الصعب تنفيذ كل هذه الالتزامات لأن هناك من المرشحين من يجهل الشق التقني المرتبط بالخزينة العمومية وديون الدولة وحجم النفقات المرصودة.
واللافت أن أغلب الالتزامات والوعود تندرج في إطار سياسة شراء "السلم الاجتماعي"، وهي السياسة التي لم تحقق بحسب الخبراء الاقتصاديين الكثير من النتائج الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، لأن المساعدات المقدمة عن طريق هذه السياسة لا تستفيد منها الفئات المستهدفة، بقدر ما تستفيد منها فئات اجتماعية قد لا تكون في حاجة لها إطلاقاً، كما أن نمط التسيير بعقلية "الاجتماعي" وليس "السياسي" تتسبب بأضرار بالغة للخزينة العمومية، بخاصة أن الاقتصاد الجزائري لم يتخلص بعد من تبعيته للنفط.
دغدغة الحاجات الاجتماعية
ويُسلم المحلل السياسي والباحث الاجتماعي أحسن خلاص بأن "المرشحين يركزون على دغدغة الحاجات الاجتماعية التي تشكل أولوية قصوى لدى المواطن الجزائري"، ويقول لـ"النهار العربي" إنه "في العالم كله، بما فيه الديموقراطيات الغربية، لا يمكن إطلاقاً أن يكون هناك تطابق بين خطاب الحملة الانتخابية والواقع الذي يجده المرشح عندما يعتلي سدة الحكم".
لكن خلاص يلفت إلى أنه "لا وجود في الجزائر لمن يناقش المرشحين علمياً بشأن قابلية الوعود للتحقيق".
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة الدكتور بشير حاج جيدور أن الحملة الانتخابية كشفت العديد من الحقائق الميدانية وأهمها "عدم علم بعض المرشحين بالظرف المالي للدولة ومدى تطابق الظرف مع الوعود المقدمة وإمكانية تجسيدها"، فهم "يجهلون الشق التقني المرتبط بالخزينة العمومية وديون الدولة والتزاماتها تجاه الخارج وحتى حجم النفقات المرصودة وغيرها".
الحمية الجماهيرية
ويؤكد جيدور ضرورة "مراعاة المرشح لمنصب الرئيس الواقعية الانتخابية بدل اللعب على وتر الحمية الجماهيرية لأنها ظرفية آنية ويمكن أن تنتهي في أقرب فرصة، وسيظهر صاحب الوعد مهتزاً لأنه أطلقه من دون مراعاة إمكانية التحقق وواقعيته، وقد يتعرض للانتقاد بفعل ضعف الرؤية وضحالة المستوى، وقد يعود هذا لسببين رئيسيين، الأول يتعلق بضعف التكوين السياسي لبعض المرشحين وعدم إتقانهم مبادئ السياسة واكتفائهم فقط بالدعم الجماهيري المتأتى عموماً من سمعة الرجل أو مكانته الاجتماعية، أو حتى من دعم الكتلة الحزبية والتي قد لا تكون حقيقية".
السبب الثاني وفق جيدور هو أن "كثيراً من المرشحين قد تأخذهم عزة بالإثم بحيث يرون أن المنصب المقبلين عليه هو منصب سام وأكبر من زوابع الانتقاد والرقابة عليه، وبالتالي يعطون لأنفسهم مساحة أكبر لإطلاق الوعود واحتضان هموم الناس، والأهم في هذه الجزئية بالذات عدم تقديرهم للوقت، فإذ يعتقدون أن الوقت طويل أمامهم وأنهم قد يستطيعون فعل الكثير في خمس سنوات، لا سيما أنها تظهر طويلة نسبياً، لكن في التجارب الديموقراطية الغربية يحتسب العمل باليوم لا بالشهر إذ تكون الوعود والتنفيذ والآجال محتسبة بدقة محكمة وغير متروكة لحوادث الأيام وتغير الزمن".