الدبلوماسية الفاعلة، تحقيق الاستقرار في المنطقة، دعم الشعوب المستضعفة ومساندة قضايا التحرر، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، هي أبرز عناوين السياسة الخارجية في خطابات المرشحين للرئاسة الجزائرية وبرامجهم خلال حملاتهم الدعائية المستمرة حتى 3 أيلول (سبتمبر) المقبل.
ومن الملاحظ أيضاً إجماع المرشحين الثلاثة على ضرورة "تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة تحديات الخارج"، مؤكدين أن "الجزائر مستهدفة وتواجه جبهات عديدة" وربط ذلك بمواقف البلاد تجاه عدد من القضايا الدولية، وتحديداً قضية فلسطين.
الرئيس المرشح عبد المجيد تبون رفع السقف عالياً عندما تحدث خلال لقائه الأول مع مناصريه، في إطار الحملة الانتخابية لرئاسيات 7 أيلول (سبتمبر) في كبرى مدن شرق البلاد قسنطينة، عن استعداد الجيش الجزائري لدخول غزة وتشييد 3 مستشفيات ميدانية لإسعاف جرحى الحرب التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في القطاع منذ 11 شهراً.
بدوره، أكد مرشح حزب "جبهة القوى الاشتراكية" يوسف أوشيش التزامه أن يكون للجزائر دور أكبر كوسيط لحل النزاعات الجهوية والإقليمية ومواصلة دعم قضايا التحرر، ومنها القضية الفلسطينية، فيما وصف مرشح المحافظين عبد العالي حساني انتخابات الرئاسة المقبلة بالمنعطف المهم المرتبط بوضع دولي وإقليمي صعب وتحولات كبرى في ضوء الحرب الصهيونية على غزة، مؤكداً أنّ "ثورة التحرير الجزائرية ملهمة للشعب من خلال نصرة القضايا العادلة ومنها قضية فلسطين".
توظيف خاطئ
المحلل السياسي الدكتور عمر المهدي بخوش، يعتبر أنّ توظيف القضية الفلسطينية في خطابات المرشحين للرئاسة الجزائرية "خاطئ"، واصفاً ذلك بأنّها "محاولة يائسة لاستمالة عواطف الناخبين ومن ثم أصواتهم يوم الاقتراع".
ويضيف بخوش، لـ"النهار العربي"، أنّ الأجدر بالمتنافسين الثلاثة الالتفات أكثر إلى الواقع الاجتماعي للجزائريين، لافتاً إلى أن البلاد "بحاجة إلى حلول واقعية وآفاق جديدة ونظرة استشرافية تدفعها نحو الأفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعلى الصعد كافة".
ويشير بخوش إلى ضرورة "لقاء الشعب والإنصات إليه وتدارس مشكلاته والتفكير في الحلول بدل التركيز على قضايا الخارج"، مؤكداً أنّ الملف الأول والأخير الذي يجب على المرشحين الإحاطة به خلال خطاباتهم هو ملف المواطن.
ويتابع قائلاً إنّ فلسطين هي للجزائريين وتر حساس، لذا "يحاول السياسيون عامة ومرشحو الرئاسة في الجزائر اللعب عليه... فالقضية لها تأثيرها على الجزائريين، لا سيما مع الأوضاع الراهنة المتمثلة في طغيان آلة الدمار الصهيونية وتقتيل مئات الآلاف من الفلسطينيين في القطاع وتشريدهم"، معتبراً أن "الوضع الحالي للبلاد يستلزم التخلي عن هذه الأساليب الخطابية في الحملات الدعائية، ومحاولة إقناع الناخبين ببرامج وأحاديث واقعية تدفعهم إلى الاندماج في العملية الانتخابية بكل وعي وثقة".
ويختم بخوش بالتأكيد على أنّ السياسة الخارجية لأي رئيس تفرزه صناديق الاقتراع هي بالنسبة إليه "تحصيل حاصل"، خاصة إذا جرى العمل على الوصول بالجزائر إلى تحقيق الأمن الغذائي والصحي وارتفاع مساهمة الصناعة والزراعة في تطوير الاقتصاد وتحسين التجارة، إضافة إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
ضرورة راهنة
لكن الإعلامي المتابع للشأن السياسي عمر سالمي، يرى بدوره أنه من الطبيعي أن تتضمّن برامج المرشحين للانتخابات الرئاسية حيزاً من نظرتهم إلى السياسة الخارجية للدولة ومواقفهم من القضايا الإقليمية والقارية والدولية، بل يؤكد أنّه "من الضرورة بمكان أن يطلع الناخبون على التوجهات الدبلوماسية للمرشحين ومواقفهم من القضايا المهمة بالنسبة إليهم، بخاصة أن الجزائر تعيش منعرجاً حاسماً في الذود عن مواقفها والدفاع عن رصيدها الدبلوماسي".
ويقول سالمي، لـ"النهار العربي"، إنّ "لفلسطين وقضيتها التحررية وقعاً أخوياً ودينياً وإنسانياً على قلوب الجزائريين، وهي كانت وستبقى في صلب الخطاب السياسي في الجزائر وفي عمق الحملة الانتخابية لرئاسيات أيلول المقبل".
ويضيف أنّ "حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لا يمكن أن تكون خارج محاور خطابات المرشحين، بخاصة أن الجزائر، حكومة وشعباً، لها ارتباط وثيق بهذه القضية منذ استقلال البلاد؛ والكثير من قدماء المحاربين والسياسيين والجماهير العريضة، يعتبرون ما يحدث في فلسطين امتداداً للاستعمار الفرنسي الغاشم للجزائر (1830-1962)، ولن يكون للقضية نصر إلا إذا اعتمدت أساليب ثورة تشرين الثاني (نوفمبر) 1954، السياسية منها بخاصة".