رغم أن الصيف لم ينته بعد، وما زال الكثير من التونسيين يتنعمون بالشواطئ، إلا أن هاجس العودة المدرسية والجامعية بدأ يشغل بال الكثير من العائلات مع تدهور القدرة الشرائية للمواطن التونسي في السنوات الأخيرة. ولعل أهم ما "تحقق" بعد الثورة هو التحاق كثير من أبناء الطبقة الوسطى التي كانت إلى وقت غير بعيد مفخرة تونس وعماد اقتصادها، بفقراء الحال غير القادرين على تأمين عودة مدرسية وجامعية مريحة لأبنائهم.
نفقات كثيرة
وبالإضافة إلى ذلك، فإن نفقات التونسيين كثيرة وذلك بسبب كثرة المناسبات والأعياد، فما إن ينتهي التونسي من مصروف عيد الأضحى وتأمين ثمن الخروف، حتى يجد أمامه المولد النبوي وعصائده وحلوياته والعودة المدرسية ومصاريفها ومصاريف الدراسة. ثم يأتي رأس السنة الميلادية فيحتفل التونسيون بها وبعيد الحب الذي يليها مباشرة، في انتظار شهر رمضان ونفقاته ونفقات عيد الفطر، وذلك من دون نسيان أعياد ميلاد أفراد العائلة وفواتير الماء والكهرباء والغاز والإنترنت وغيرها.
وما يزيد من معاناة التونسي خلال العودة المدرسية أن أسعار الكتب والدفاتر والأدوات المدرسية والحقائب في ارتفاع متواصل من سنة إلى أخرى حتى أصبح لا يتناسب مع الدخل الفردي للمواطن التونسي البسيط عائل أسرة تتشكل منه ومن ثلاثة أفراد. ففي الماضي لم تكن مشكلات مثل هذه مطروحة أمام المواطن البسيط مع تدخل الدولة ودعمها اللامحدود للتعليم العمومي ولأسعار القرطاسية حتى يدرس الجميع من دون استثناء في ظروف طيبة ولا يحرم أي تونسي من حقه في التعليم.
بين الأمس واليوم
يعتبر سمير بلهادي الموظف في القطاع العام أن العودة المدرسية والجامعية في تونس أصبحت هاجساً يؤرق مضاجع الأولياء في هذه الفترة من العام، وذلك بعد الارتفاع الكبير في أسعار الأدوات المدرسية. فقد أصبح الصيف الذي جُعل للراحة والاستجمام وراحة البال والاستمتاع بجمال تونس وسحرها، بحسب بلهادي، مناسبة سنوية للتفكير والشعور بالقلق بشأن العودة المدرسية والجامعية خشية من عدم توافر ما يكفي من المال لتأمين عودة الأبناء في أفضل الظروف.
ويضيف قائلاً لـ"النهار العربي": "لم نعد منذ سنوات نستمتع بالعطلة الصيفية بسبب كابوس العودة المدرسية التي كانت عيداً بكل ما للكلمة من معنى في زماننا، ويتم الاستعداد له بفرح وسعادة في زمن كان فيه التعليم العمومي المجاني سلّماً اجتماعياً يمكن الجميع من الارتقاء بأنفسهم فكريا ومعرفياً وأيضاً مالياً. حتى الأساتذة كانوا يراعون القدرة الشرائية للأولياء، أما اليوم فلم يعد هذا يعني الكثيرين منهم فيطلبون من التلميذ أشياء باهظة الثمن ولا يقبلون بدفاتر وأقلام وأدوات هندسية وغيرها من الصنف العادي وكأنهم من سيستعملها".
ويرى أنه "لا بد من أن يشمل الإصلاح التعليمي المزمع القيام به مسألة غلاء الأدوات المدرسية ومسألة إعادة الاعتبار للتعليم العمومي المجاني حتى نتخلص من كابوس العودة المدرسية وتعود الحياة كما كانت، لأن غلاء هذه الأدوات وانصراف عدد مهم من التونسيين إلى التعليم الخاص أثقلا كاهل الأولياء بالمصاريف. كما أن لمسألة الزمن المدرسي دوراً أيضاً باعتبار أن التلميذ في تونس يدرس حصة صباحية وحصة مسائية شأنه شأن الموظفين، وهو ما يضطره للبقاء في الحضانة المدرسية ويضطر وليه إلى دفع مبالغ مالية إضافية".
التداين والشيكات
أما روضة السلامي فهي ربة بيت من ضواحي العاصمة ولديها ثلاثة أطفال يدرسون، وتعاني بدورها مع زوجها العامل في أحد المصانع، صعوبات مالية كبيرة في تأمين عودة أطفالها إلى مقاعد الدراسة، ما حوّل هذه العودة إلى مصدر للقلق النفسي ينطلق مع حلول شهر آب (أغسطس). تقول السلامي لـ"النهار العربي" إنها لا تعمل ولذلك فإن زوجها يتكفل وحده بمصاريف العودة المدرسية وهو غير قادر على ذلك حتى مع منحة العودة الزهيدة التي يتحصل عليها من عمله، وهو ما يضطره إلى التداين والعيش في ضيق خلال الأشهر الموالية للعودة.
وتضيف: "حتى من لديهم دخل محترم، وأمام غلاء الأدوات المدرسية التي يتزامن اقتناؤها مع إنفاق مصاريف أخرى، باتوا اليوم يتداينون للعودة المدرسية وهناك من يأخذ الأدوات المدرسية مقابل شيكات ضمان يقوم بتسديدها على أقساط بداية كل شهر، وجميع التونسيين يعانون الأمرين من العودة المدرسية ولم يعد هناك فرق بين مرفّه وضعيف حال أمام غلاء الأدوات والكتب المدرسية، بخاصة مع تدريس المرفهين أبناءهم في المدارس الخاصة".