يحبّذ عدد كبير من التونسيين قضاء الإجازة الصيفية في بلادهم، وتحديداً في فنادقها الراقية في المناطق السياحية، حيث تتوفر الخدمات التي يحتاجها المصطاف، من شواطئ ومسابح وألعاب مائية وطعام متنوع وأنشطة ترفيهية مختلفة، نهاراً وليلاً. فالفنادق توفّر للمصطاف خدمات جاهزة، خلافاً لمن يستأجر بيتاً في منطقة سياحية، فيكون مضطراً للطبخ والتنظيف بنفسه، مع غياب الأنشطة الترفيهية... فتتحول عطلته الصيفية إلى موعد مع الأشغال الشاقة والإرهاق.
لكن، هذه الفنادق، أو النّزل كما يسمّونها في تونس، رفعت أسعارها كثيراً على التونسيين الراغبين في قضاء إجازاتهم فيها، فيعجز ربّ أسرة مؤلفة من 4 أفراد عن تحمّل تكاليف إجازة عائلية في فندق تونسي. في المقابل، تبدو الأسعار المخصصة للسائح الأجنبي، الذي يرغب في زيارة تونس وقضاء إجازته الصيفية فيها، زهيدةً نسبياً، وتشمل مصاريف السفر إلى تونس ذهاباً وعودة، واستقبالاً في المطار، وانتقالاً إلى الفندق.
تبريرات واهية
يبرّر بعضهم هذا التوجّه بالقول إنّ السياحة باب من أبواب الإيرادات بالعملة الصعبة، والتونسي لا يدفع بالعملة الصعبة بل بالعملة التونسية، ولذلك يكون الامتياز للسائح الأجنبي الذي يدفع بالدولار واليورو والجنيه الإسترليني وغيرها.
وبالتالي، يرى هؤلاء أنه إذا تمّ خفض الأسعار للتونسيين، وملأوا الفنادق وما تركوا شاغراً للسياح الأجانب، فإن ذلك سيحرّك الدولة من مداخيل بالعملة الصعبة تحتاجها إلى استيراد ما تحتاجه البلد، كالمحروقات والحبوب والمنتوجات الصناعية وغيرها.
في الحقيقة، هذا التبرير غير مقنع. فالسياح الذين يأتون تونس من دول إقليمية لا يُدخلون عملةً صعبة، بل يدفعون ثمن إقامتهم بالدينار التونسي الذي يحصلون عليه من السوق السوداء في بلادهم، ورغم ذلك يتمتعون بالتخفيضات التي يتمتع بها باقي السياح الأجانب. وهناك حديث متداول عن أنّ عدداً من أصحاب الفنادق يملكون حسابات مصرفية في الخارج، تُحوّل إليها أموال الحجوزات من الدول الغربية بالعملة الصعبة، فلا تنتفع الدولة بهذه الأموال، رغم استهلاك القطاع السياحي المواد المدعمة من الدولة، والماء الذي تعاني البلاد نقصاً فيه، والكهرباء التي تُنتج بالغاز الذي يتمّ استيراد 40% من حاجيات البلاد منه.
تنفق على سياحها
يقول بسام المكني، الخبير التونسي في القطاع السياحي، لـ"النهار العربي" إنّ أسعار الفنادق التونسية مرتفعة جداً، تفوق قدرات العائلات التونسية محدودة العدد، "لذا، تراجع نسبة التونسيين القادرين على قضاء إجازاتهم الصيفية في فنادق بلادهم من عام إلى آخر، فقد يبلغ سعر الليلة في فندق من فئة 5 نجوم لعائلة مؤلفة من 4 أفراد نحو 2000 دينار تونسي (700 دولار تقريباً)، وهذا مبلغ يكفي السائح الغربي وخصوصاً الأوروبي، لقضاء إجازة في ربوعنا تمتد أسبوعاً كاملاً".
ويضيف: "الأسعار زهيدة بالنسبة إلى الأجانب، ولذا تُعدّ تونس وجهة مفضّلة عندهم، على الرغم من أنّ إمكانيات البلد السياحية كبيرة، وبالتالي يمكن السلطات السياحية رفع الأسعار المخصصة للأجانب، خصوصاً أنّ دعم القطاع السياحي يكلّف الدولة مبالغ طائلة، إذ باتت تنفق على سياحها وتساهم بقسط في ثمن إجازاتهم".
المطلوب مراجعة عامة
من جهة أخرى، يقول مرسي التلمودي، الناشط المدني في مجال التطوير السياحي والخدماتي، لـ"النهار العربي" إنّ السائح التونسي في بلاده "ضحية السياسات المتبعة في المجال السياحي، وهو التوجّه نحو الكثرة العددية وإلى سياح من ذوي القدرة الإنفاقية المحدودة، من خلال خفض الأسعار السياحية للأجانب".
ويضيف التلمودي: "في المقابل، التونسي مطالب بتغطية الدعم المالي المقدّم للسياحة في مرحلة أولى، باعتباره مكلفاً ضريبياً يُساهم في صندوق الدعم، وفي مرحلة ثانية عندما يذهب إلى هذا الفندق أو ذاك، ويجد نفسه مضطراً لدفع مبلغ كبير، وكأنه يساهم بجهده وعرق جبينه في استمتاع السائح الأجنبي بإجازته".
وبحسبه، على وزارة السياحة التونسية أن تراجع الأسعار المخصّصة للمواطنين في فنادق بلادهم، "وأن تمكّنهم أيضاً من تمضية العطلة الصيفية مع فئات لائقة من الوافدين، لا تزعجه ولا تزعج من هم معه من أفراد عائلته، بعدما فتحت الفنادق التونسية أبوابها لمن هبّ ودبّ من الجنسيات الأجنبية".