بعد نحو أسبوعين من تعيين رئيس جديد للحكومة، قرّر الرئيس التونسي قيس سعيّد إجراء تعديل وزاري واسع كشف مساء الأحد عن تفاصيله، في خطوة مفاجئة قبل نحو شهرين من إجراء الانتخابات الرئاسية في البلد.
وكان سعيّد قد كلف قبل أسبوعين كمال المدوري برئاسة الحكومة عوضاً عن أحمد الحشاني، قبل أن يعود مساء الأحد ليعلن تعديلاً وزارياً واسعاً استثنى وزارات العدل والداخلية والمالية والاقتصاد.
وشمل التعديل معظم الحقائب الوزارية، أبرزها الخارجية التي أسندت إلى محمد علي النفطي، والدفاع التي تولاها خالد السهلي، فيما كُلفت الفنانة أمينة الصرارفي حقيبة الثقافة لتكون بذلك المرأة الوحيدة في الحكومة الجديدة.
وأثار التعديل الوزاري الجديد جدلاً واسعاً في الوسط السياسي وحتى الشعبي التونسي، خصوصاً أنه يأتي قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية.
ولأشهر طويلة ظلت بعض الوزارات تعمل من دون وزير، ما دفع أصواتاً معارضة للتساؤل عن الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة وعلاقتها بالاستحقاق الانتخابي الرئاسي.
انتخابات محسومة
وعلّق سياسيون على خطوة سعيّد المفاجئة معتبرين أنه "يتصرف وكأنّه باق في السلطة وكأن الانتخابات محسومة لمصلحته".
وكتب القيادي في حزب "التيار الديموقراطي" المعارض هشام العجبوني على حسابه الشخصي على "فايسبوك" قائلاً إنّ "الرسالة السياسية التي أراد الرئيس سعيّد إرسالها من وراء إجراء تعديل وزاري شامل قبل شهر ونصف من إجراء الانتخابات الرئاسية، هي أنّني سأبقى على رأس البلاد مهما كانت نتائج الانتخابات، ولن أسلّم البلاد لغير الوطنيّين والخونة والعملاء والذين يستعدّون لتوقيع اتفاقية حماية أو وصاية أو انتداب".
ويقول المحلل السياسي بسام حمدي إنّ الرئيس سعيّد يبعث من خلال هذا التعديل العديد من الرسائل، بعضها للمعارضة وبعضها للشعب التونسي.
ويرى حمدي، في تصريح لـ"النهار العربي"، أنّ سعيّد يسعى للتملص من فشل الحشاني وحكومته السابقة لتخفيف الضغط الشعبي على الحكومة الحالية وإعطاء دفع جديد لها من أجل الانشغال أكثر بالمسائل الاقتصادية.
لكنه يشير أيضاً إلى أن هذا التعديل يبدو حاملاً رسالة سياسية للمعارضة، يؤكد من خلالها سعيّد أنه حسم هذه الانتخابات لمصلحته، وأنه سيواصل العمل والتعويل على الحكومة الحالية التي اختار عناصرها من الكفاءات الإدارية غير المسيسة.
سعيّد يرد
وتنظّم تونس انتخابات رئاسية في السادس من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل تثير جدلاً وسط المكونات السياسية والنقابية، خصوصاً أنه لن يتنافس فيها مبدئياً سوى ثلاثة مرشحين هم الرئيس سعيّد والأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي والأمين العام لحركة "عازمون" العياشي زمال.
لكن الرئيس سعيّد استبق هذه الاتهامات ورد عليها لدى أداء الحكومة اليمين الدستورية مدافعاً عن قراره، قائلاً: "إنّ الذين ينتقدون القيام بتحوير وزاري قبل أسابيع من الانتخابات لا يفرّقون بين الانتخابات والسير العادي لدواليب الدّولة وأمنها القومي"، مشيراً إلى أنّ "دواليب الدولة تتعطّل كل يوم، والأمن القومي قبل أي اعتبار، لذلك كان هذا التعديل الوزاري ضرورياً".
وتمسّك سعيّد بخياره بقوله: "لو اقتضت المصلحة العليا للبلاد إجراء تعديل وزاري حتى بعد فتح مكاتب الاقتراع لما تمّ التردّد للحظة واحدة في ذلك".
ولم يفوّت سعيّد الفرصة لانتقاد أداء المسؤولين السابقين، مؤكداً أن "اختيار عدد من المسؤولين، جهوياً ومحلياً ومركزياً، كان بناءً على تعهدهم تحقيق أهداف الشعب التونسي ومطالبه المشروعة، لكن لم تمر سوى أيام بعد تكليفهم حتى انطلقت المنظومة من وراء الستار لتنجح في احتواء عدد غير قليل منهم والالتفاف عليهم، ما حوّل الوضع منذ مدة إلى صراع بين نظام دستوري جديد ومنظومة فاسدة، لا يزال الفاعلون فيها يمنّون أنفسهم بالعودة إلى الوراء".
خطوة في الاتجاه الصحيح
وفيما هاجمت المعارضة قرار سعيّد، اعتبر أنصاره أنه خطوة في اتجاه تكريس مفهوم استمرارية الدولة التي يجب أن تكون في خدمة المواطن بغض النظر عن كل الاعتبارات السياسية.
وكانت حكومة الحشاني التي لم يتجاوز عمرها العام الواحد، وقبلها حكومة نجلاء بودن، محل انتقادات واسعة من الشارع التونسي بسبب فشلهما في حل معظم الملفات الاقتصادية والاجتماعية الملحة.
ويقول المحلل السياسي خليل الرقيق إنّ التعديل الوزاري الأخير جاء استجابة لتطلعات التونسيين، ويشرح في تصريح لـ"النهار العربي" أن الرئيس سعيّد استمع خلال زياراته لشكاوى المواطنين الذين تذمروا من سوء خدمات الإدارة، مشدداً على أن "أداء العديد من الوزراء والمسؤولين السابقين كان دون المأمول، ولذلك كان لا بد من إجراء هذا التعديل وقد امتلك الرئيس سعيّد القدرة والجرأة للقيام بهذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات، رغم علمه المسبق بكل الانتقادات التي يتعرض لها، خصوصاً أنها تأتي قبل نحو ستة أسابيع من الانتخابات الرئاسية".
ويضيف أن لا علاقة لهذا التعديل بالانتخابات الرئاسية "فهو تعديل إداري يفرضه الواقع"، مؤكداً أن "سعيّد ليس بحاجة للقيام بتعديل وزاري للفوز بالانتخابات الرئاسية أو لتأكيد أنه سيفوز بها لأنه يخوض هذه الانتخابات معولاً على شعبيته الكبيرة لدى عموم التونسيين".
ويتابع: "لقد اختار سعيّد تكليف رئيس حكومة جديد يُشهد له بالكفاءة، ومن الطبيعي أن يتم تغيير الفريق العامل معه، وقد أكد الرئيس أنه أجرى هذا التعديل بالتشاور معه".
وفي رأي الرقيق، فإن الحرص على سير عمل الدولة والمصلحة العامة يفرض إجراء تعديلات على الفريق الحكومي والمناصب العليا في أي توقيت "حتى وإن كان ذلك ليلة إجراء الانتخابات".