شرعت سلطة الغرب الليبي في تقليم أظافر ميليشيات العاصمة، في خطوة أثارت ردود فعل متباينة حول جديتها، ففي خضم توتر غير مسبوق تعيشه طرابلس، وانهيار تحالفات بين مكونات معسكر الحكم، خرج وزير الداخلية عماد الطرابلسي في مؤتمر صحافي، معلناً اتفاقاً يقضي بإعادة تموضع المجموعات العسكرية الرئيسية في داخل ثكناتها مع تسليم تأمين الشوارع والمؤسسات الحكومية إلى الشرطة.
وقال الطرابلسي إنّ التأخير في إخلاء العاصمة الليبية من التنظيمات المسلحة "ليس ضعفاً أو قلة جهد، بل هدفه حقن الدماء"، مشدّداً على أنّ تأمين كل المؤسسات داخل طرابلس وحمايتها سيكونان من مهمة قوات الشرطة فقط، وأن الأجهزة الأمنية ستعود إلى معسكراتها الرئيسية. وأوضح أن المؤسسات تشمل مقر رئاسة الوزراء والمؤسسات والجهات الحكومية والشركات والفنادق، مضيفاً أن الدوريات في الشارع ستكون مهمة الأمن الداخلي، على أن تكون هذه الدوريات غير مسلحة، ولافتاً إلى انسحاب الأجهزة من المؤسسات واستبدال الشرطة بها، وإلى أن التنفيذ يستغرق أسبوعاً إلى 10 أيام.
وكشف الطرابلسي عن تشكيل لجنة رسمية تضم فنيين ومهنيين من وزارته ومن وزارة العدل ومكتب النائب العام لفحص ملفات السجناء وضبطها، متعهداً الإفراج عن الموقوفين الذين صدرت قرارات بإطلاق سراحهم من النيابة والقضاء.
لكن قراراً أصدره لاحقاً رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أثار الشكوك حول جدية الخطوة، ويقضي القرار بتشكيل لجنة عليا للترتيبات الأمنية يترأسها الطرابلسي، وتضم مندوبين عن الميليشيات الرئيسية المشرعنة بقرارات رسمية: "جهاز دعم الاستقرار" و"جهاز الردع" و"جهاز مكافحة الإرهاب" و"جهاز الأمن العام"، بالإضافة إلى "اللواء 111" و"اللواء 444"، في خطوة رأى معارضون أنها تأتي في إطار محاولات الدبيبة تشديد قبضته على العاصمة عبر تقليص وجود الميليشيات المناوئة له وتوسيع نفوذ الموالين، لكن الطرابلسي دافع عنها ضمناً في مؤتمره الصحافي عندما عد أجهزة: "الردع" و"دعم الاستقرار" و"الأمن العام" واللواءين: "444" و"111"، "أجهزة أمنية معترفاً بها في طرابلس ورسمية". وأضاف: "هذه الجهات لديها سيطرة أمنية وكل مكلف بحسب اختصاصه. تلك الأجهزة قامت بدور لأجل المواطن والوطن، هناك أخطاء ارتكبتها لكن لم تكن هناك شرطة بعد (أحداث شباط) 2011، التي انسحبت من المشهد وحلت محلها تشكيلات مسلحة محسوبة على قبائل ومدن".
قرار الدبيبة أوكل إلى هذه اللجنة الأمنية مهمة "الإشراف على سحب جميع الأجهزة والألوية الأمنية والعسكرية إلى مقارها الرسمية، وحصر جميع المباني والمقار العامة والخدمية والإنتاجية المسيطر عليها أو الواقعة تحت حماية جهات غير تابعة لوزارة الداخلية واستلامها فوراً. بالإضافة إلى حصر الممتلكات الخاصة التي سيطر عليها أفراد أو جهات غير تابعة للداخلية والتعجيل بتسليمها لملاكها. وإخلاء جميع الشوارع والميادين والمكامن والبوابات من أي تشكيلات أو مظاهر مسلحة غير تابعة للشرطة. وكذلك حصر السجون وإخضاعها للجهات المختصة، والسيطرة على المنافذ البرية والبحرية والجوية".
وفي أعقاب ذلك ترأس الطرابلسي، الأحد، الاجتماع الأول للجنة الذي "خصِّص لمناقشة مهمات اللجنة"، قبل أن يحضر تسلم مبنى المصرف المركزي في العاصمة وعدد من المنشآت الحكومية على رأسها هيئة مكافحة الفساد.
ويقول المحلل السياسي محمد محفوظ لـ"النهار العربي": "هناك اتفاقات أُعلن عنها مرات عدة في السابق بخصوص مستقبل التشكيلات المسلحة وانتشارها في العاصمة الليبية، لكنها لم تُنفذ على الأرض في النهاية، نتمنى أن تختلف هذه المرة".
وإذ يؤكّد أنّ هذه المجموعات المسلحة "لا تخضع لأوامر سلطة الحكم في طرابلس التي باتت تنقسم إلى مربعات تسيطر كل مجموعة مسلحة على منطقة"، يلفت إلى "حساسية الوضع السياسي والأمني في العاصمة خلال الفترة الأخيرة، في ظل احتدام الانقسام والاصطفاف بين مكونات معسكر الغرب الليبي، وهذه الحالة تُغذي إمكان وقوع صدامات مسلحة، وفي ظل ذلك سُجلت مواقف عدة أظهرت رغبة واضحة لدى قادة التشكيلات العسكرية بتنحية السلاح والصراع المسلح الذي إن اندلع ستكون له عواقب وخيمة، والجلوس إلى مائدة التفاوض من وراء الكواليس، للانخراط في ترتيبات جديدة تحفظ مصالح الجميع".
أما الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية محمد امطيريد فيستبعد إتمام خطوة إخلاء العاصمة الليبية من الميليشيات وأن تنصاع المجموعات المسلحة الرئيسية وعلى رأسها "جهاز الردع" لمثل تلك القرارات، إلا بتدخل الدول النافذة في الغرب الليبي والتي ترضخ تلك المجموعات لتوجيهاتها.
ويوضح لـ"النهار العربي" أن الخطوة جاءت في توقيت حرج في ظل أجواء متوترة على المستويين السياسي والأمني تعيشها العاصمة الليبية، أخذاً في الاعتبار أن الانقسامات والصراعات مشتعلة في ما بين الميليشيات المسلحة الرئيسية في طرابلس (المنخرطة في اللجنة الأمنية)، وهذه المجموعات وقادتها راكموا طوال السنوات الماضية نفوذاً وسطوة، حتى باتوا بتحكمون بالسلطة الرسمية وقرارتها وليس العكس.
التطورات في العاصمة الليبية تواكبت مع عودة اللجنة العسكرية المشتركة التي تضم ممثلين عن قوات "الجيش الوطني" في الشرق وممثلين عن قوات الغرب، ومعروفة باسم لجنة "5+5"، إلى الاجتماع برعاية القائمة بأعمال الموفد الأممي إلى ليبيا ستيفاني خوري بعد توقف دام لنحو سنة.
وفي بيان أعقب الاجتماع الذي استمر يومين في مدينة سرت (وسط ليبيا)، طمأنت لجنة "5+5"، الليبيين إلى "ثبات وقف إطلاق النار" الموقع في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2020، مؤكدة أن كل اللجان المشرفة على تنفيذه ومراقبته "تواصل عملها بكل تفانٍ وإخلاص". وأوضحت اللجنة في بيانها أن الاجتماع "ناقش الوضع الأمني والسياسي وتأثيره على اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ بقية بنود الاتفاق"، مشيرة إلى أنها تدارست حالة الانقسام السياسي وتأثيرها على تنفيذ بنود وقف إطلاق النار وكذلك على حالة الأمن القومي للدولة عامة. وأنها ستعلن موقفها من ذلك لليبيين في الأيام القليلة المقبلة.
أما خوري فأوضحت في تصريحات أن اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة "ناقش التطورات والتحديات في ليبيا، لا سيما على الصعيد الأمني"، مؤكدة "الدور الحاسم الذي تضطلع به اللجنة في دعم اتفاق وقف إطلاق النار". وأضافت أن الاجتماع تطرق كذلك إلى سبل مواصلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة، معتبرة أن السلام والاستقرار أصبحا، أكثر من أي وقت مضى، أمراً حيوياً للمواطنين الليبيين الذين يتوقون إلى إيجاد حل سياسي مستدام.